08 نوفمبر 2024
المغرب في الاتحاد الأفريقي... نصر موقوف التنفيذ
محمد طيفوري
كاتب وباحث مغربي في كلية الحقوق في جامعة محمد الخامس في الرباط. عضو مؤسس ومشارك في مراكز بحثية عربية. مؤلف كتاب "عبد الوهاب المسيري وتفكيك الصهيونية" و "أعلام في الذاكرة: ديوان الحرية وإيوان الكرامة". نشر دراسات في مجلات عربية محكمة.
تعيش أجزاء من القارة العجوز، أوروبا، ومعها الولايات المتحدة الأميركية بقيادة دونالد ترامب على إيقاع سياسات انعزالية. وفي الأثناء، تصرّ القارة السمراء، في المقابل، على المضي في مدارج التعاون والتكتل والوحدة والانسجام بين أعضائها. وظهر ذلك بجلاء في عدد مؤيدي عودة المغرب إلى ملء مقعده الفارغ داخل الاتحاد الأفريقي، بعد ما يفوق عن ثلاثة عقود من الغياب، بسبب قبول عضوية الجمهورية العربية الديمقراطية الصحراوية المعروفة اختصارًا بـ "بوليساريو" سنة 1984.
يعتبر متابعون للشأن الأفريقي عديدون عودة المغرب إلى الاتحاد لم تكن بالتعقيد الذي توقعه أغلب المحللين، خصوصاً وأن غموضاً يلف عدة نقاط مرتبطة بخطوات استعادة مقعده، في مقدمتها نوعية العلاقة بين المغرب وجبهة بوليساريو؛ بمعنى هل عودة المغرب تفيد ضمنياً الاعتراف بهذا الكيان الانفصالي؟
يعزى نجاح الدبلوماسية المغربية في استرجاع كرسيها بسهولة في أديس أبابا إلى القطع، في السنين الأخيرة، مع سياسة ردود الأفعال، والانتقال إلى الدبلوماسية النشيطة التي تسعى إلى الفعل والمبادرة على الساحة الدولية، مستغلة الإجماع الداخلي بين مكونات الشعب المغربي حول قضية الصحراء أولاً، وحصاد سياسة الاختراق والتغلغل التدريجي للمغرب؛ وعلى جبهات متنوعة (الدبلوماسية، الاقتصادية، الأمنية، الدينية،...)، في العمق الافريقي منذ سنوات ثانياً. وتراجع عدد الزعماء الأفارقة ممن يناصرون الحركات الانفصالية في هذه القارة، لأسبابٍ أبرزها انخفاض عائدات البترول ثالثاً. وأخيراً الإشادة والتنويه اللذان لقيهما "النموذج المغربي"؛ بما يحمله من استثناء في سياق الربيع العربي، بشعاره الفريد "الإصلاح في ظل الاستقرار".
تصدّى اجتماع هذه العناصر لمحاولاتٍ قادتْها دول أفريقية لتأخير دخول المغرب إلى النادي
الأفريقي، من بينها محاولة تمرير فكرة أن المغرب سوف يكون عضوا جديدا، وليس عضوا يسعى إلى استعادة عضويته القديمة، لما لهذا الطرح من تبعاتٍ قانونيةٍ سوف تفرض حينها ضرورة الاعتراف بالجمهورية العربية الديمقراطية الصحراوية دولة داخل الاتحاد الإفريقي، قبل انضمامه إليه.
يُحسب للدبلوماسية المغربية اليوم تلك الشجاعة والقدرة على النقد الذاتي، ما أدى إلى مراجعة موقف الانسحاب، وتقديم طلب العودة لتصحيح ذلك الخطأ، خصوصاً وأن أموراً عديدة تغيرت ما بين لحظة مغادرة المنظمة منتصف الثمانينيات والعودة إلى الاتحاد اليوم. من المتغيرات التي لا يستحضرها كثيرون عند تحليل موقف المغرب الدور الذي أنيط بالاتحاد في السنوات القليلة الماضية، حين طالبت دول أفريقية (الجزائر، نيجيريا وجنوب أفريقيا) الاتحاد برفع مستوى مساندته جبهة البوليساريو. وهو مقترح تولدت عنه مبادرتان جوهريتان، يرعاها الاتحاد، وتتعلقان بقضية الصحراء، وتحاصران المغرب تدريجياً، وهما:
أولاً: تعيين الرئيس السابق لجمهورية موزمبيق، خواكيم شيسانو، بصفته مبعوثاً خاصاً للاتحاد الإفريقي في نزاع الصحراء. ويعني ذلك أن الاتحاد أفرد لهذا النزاع شخصية ينحصر دورها في التنقل بين العواصم العالمية، من أجل الدفاع عن خيار تقرير المصير، و"تصفية الاستعمار" في الصحراء، باعتباره أقدم نزاع في القارة السمراء.
ثانياً: تبني قمة جوهانسبورغ، في يونيو/ حزيران 2015، تولي الاتحاد الإفريقي الحديث باسم بوليساريو في المنتديات الدولية، وبذلك تتحول قضية بوليساريو إلى قضية جميع الأفارقة، وهي القمة التي شهدت مطالبة الاتحاد منظمة الأمم المتحدة لتحديد تاريخ إجراء استفتاء تقرير المصير.
نظر المغرب إلى هذه الخطوات بمثابة تهديد حقيقي، لم يسبق له أن واجهه طوال هذا النزاع،
فهذا الأمر مكّن "بوليساريو" من تحويل النزاع من مجرد صراع بين المغرب وكيان انفصالي تدعمه دول معدودة على رؤوس الأصابع إلى دولةٍ تحمل قارة بأكملها مشروع "تحريرها الوطني".
على هذا الأساس، ووعياً منه بخطورة سياسة المقعد الفارغ في ظل هذه التحركات المتلاحقة لخصوم وحدته الترابية، اختار المغرب أن يسترجع مقعده في هيئة الاتحاد الأفريقي، بعدما أيقن أن مناكفة الانفصالين ينبغي أن تكون بكل الوسائل الممكنة، وعلى الأصعدة كافة، وفي كل الجبهات، بما فيها داخل النادي الافريقي، ما دام صاحب حق، وله القناعة واليقين المطلق بعدالة قضيته.
بقي أن يُشار، أخيراً، إلى أن هذه العودة التي تمت، بعد مصادقة البرلمان المغربي، قبل أيام، على القانون التأسيسي للاتحاد الافريقي الذي يتضمن مواد سوف تطرح مشكلات للمغرب، بمجرد مباشرة أنشطته، إلى جانب الدول الأعضاء في النادي الأفريقي، فالمادة الثالثة من القانون الأساسي للاتحاد، على سبيل المثال، تنص على الدفاع عن سيادة الدول الأعضاء، ووحدة أراضيها واستقلالها. في ما تشير المادة الرابعة من القانون نفسه إلى المساواة والترابط بين الدول الأعضاء في الاتحاد، واحترام الحدود القائمة، وتسوية الخلافات بين الدول الأعضاء بوسائل مناسبة. ما يعني أن الوقت قد حان لخوض المعركة الحقيقية بالنسبة للمغرب، وهي معركة الصراع داخل أروقة (ودهاليز) مؤسسات الاتحاد الافريقي وهياكله، والسعي إلى إقناع تلك البقية الباقية من الدول بسحب الاعتراف بالجمهورية الانفصالية، أو على الأقل تعليقه. أما كل ما مضى من صراع من أجل استعادة المقعد فلا يعدو أن يكون مجرد حركاتٍ تسخينيةٍ للاعب، قبل خوض المباراة الرسمية.
يعتبر متابعون للشأن الأفريقي عديدون عودة المغرب إلى الاتحاد لم تكن بالتعقيد الذي توقعه أغلب المحللين، خصوصاً وأن غموضاً يلف عدة نقاط مرتبطة بخطوات استعادة مقعده، في مقدمتها نوعية العلاقة بين المغرب وجبهة بوليساريو؛ بمعنى هل عودة المغرب تفيد ضمنياً الاعتراف بهذا الكيان الانفصالي؟
يعزى نجاح الدبلوماسية المغربية في استرجاع كرسيها بسهولة في أديس أبابا إلى القطع، في السنين الأخيرة، مع سياسة ردود الأفعال، والانتقال إلى الدبلوماسية النشيطة التي تسعى إلى الفعل والمبادرة على الساحة الدولية، مستغلة الإجماع الداخلي بين مكونات الشعب المغربي حول قضية الصحراء أولاً، وحصاد سياسة الاختراق والتغلغل التدريجي للمغرب؛ وعلى جبهات متنوعة (الدبلوماسية، الاقتصادية، الأمنية، الدينية،...)، في العمق الافريقي منذ سنوات ثانياً. وتراجع عدد الزعماء الأفارقة ممن يناصرون الحركات الانفصالية في هذه القارة، لأسبابٍ أبرزها انخفاض عائدات البترول ثالثاً. وأخيراً الإشادة والتنويه اللذان لقيهما "النموذج المغربي"؛ بما يحمله من استثناء في سياق الربيع العربي، بشعاره الفريد "الإصلاح في ظل الاستقرار".
تصدّى اجتماع هذه العناصر لمحاولاتٍ قادتْها دول أفريقية لتأخير دخول المغرب إلى النادي
يُحسب للدبلوماسية المغربية اليوم تلك الشجاعة والقدرة على النقد الذاتي، ما أدى إلى مراجعة موقف الانسحاب، وتقديم طلب العودة لتصحيح ذلك الخطأ، خصوصاً وأن أموراً عديدة تغيرت ما بين لحظة مغادرة المنظمة منتصف الثمانينيات والعودة إلى الاتحاد اليوم. من المتغيرات التي لا يستحضرها كثيرون عند تحليل موقف المغرب الدور الذي أنيط بالاتحاد في السنوات القليلة الماضية، حين طالبت دول أفريقية (الجزائر، نيجيريا وجنوب أفريقيا) الاتحاد برفع مستوى مساندته جبهة البوليساريو. وهو مقترح تولدت عنه مبادرتان جوهريتان، يرعاها الاتحاد، وتتعلقان بقضية الصحراء، وتحاصران المغرب تدريجياً، وهما:
أولاً: تعيين الرئيس السابق لجمهورية موزمبيق، خواكيم شيسانو، بصفته مبعوثاً خاصاً للاتحاد الإفريقي في نزاع الصحراء. ويعني ذلك أن الاتحاد أفرد لهذا النزاع شخصية ينحصر دورها في التنقل بين العواصم العالمية، من أجل الدفاع عن خيار تقرير المصير، و"تصفية الاستعمار" في الصحراء، باعتباره أقدم نزاع في القارة السمراء.
ثانياً: تبني قمة جوهانسبورغ، في يونيو/ حزيران 2015، تولي الاتحاد الإفريقي الحديث باسم بوليساريو في المنتديات الدولية، وبذلك تتحول قضية بوليساريو إلى قضية جميع الأفارقة، وهي القمة التي شهدت مطالبة الاتحاد منظمة الأمم المتحدة لتحديد تاريخ إجراء استفتاء تقرير المصير.
نظر المغرب إلى هذه الخطوات بمثابة تهديد حقيقي، لم يسبق له أن واجهه طوال هذا النزاع،
على هذا الأساس، ووعياً منه بخطورة سياسة المقعد الفارغ في ظل هذه التحركات المتلاحقة لخصوم وحدته الترابية، اختار المغرب أن يسترجع مقعده في هيئة الاتحاد الأفريقي، بعدما أيقن أن مناكفة الانفصالين ينبغي أن تكون بكل الوسائل الممكنة، وعلى الأصعدة كافة، وفي كل الجبهات، بما فيها داخل النادي الافريقي، ما دام صاحب حق، وله القناعة واليقين المطلق بعدالة قضيته.
بقي أن يُشار، أخيراً، إلى أن هذه العودة التي تمت، بعد مصادقة البرلمان المغربي، قبل أيام، على القانون التأسيسي للاتحاد الافريقي الذي يتضمن مواد سوف تطرح مشكلات للمغرب، بمجرد مباشرة أنشطته، إلى جانب الدول الأعضاء في النادي الأفريقي، فالمادة الثالثة من القانون الأساسي للاتحاد، على سبيل المثال، تنص على الدفاع عن سيادة الدول الأعضاء، ووحدة أراضيها واستقلالها. في ما تشير المادة الرابعة من القانون نفسه إلى المساواة والترابط بين الدول الأعضاء في الاتحاد، واحترام الحدود القائمة، وتسوية الخلافات بين الدول الأعضاء بوسائل مناسبة. ما يعني أن الوقت قد حان لخوض المعركة الحقيقية بالنسبة للمغرب، وهي معركة الصراع داخل أروقة (ودهاليز) مؤسسات الاتحاد الافريقي وهياكله، والسعي إلى إقناع تلك البقية الباقية من الدول بسحب الاعتراف بالجمهورية الانفصالية، أو على الأقل تعليقه. أما كل ما مضى من صراع من أجل استعادة المقعد فلا يعدو أن يكون مجرد حركاتٍ تسخينيةٍ للاعب، قبل خوض المباراة الرسمية.
محمد طيفوري
كاتب وباحث مغربي في كلية الحقوق في جامعة محمد الخامس في الرباط. عضو مؤسس ومشارك في مراكز بحثية عربية. مؤلف كتاب "عبد الوهاب المسيري وتفكيك الصهيونية" و "أعلام في الذاكرة: ديوان الحرية وإيوان الكرامة". نشر دراسات في مجلات عربية محكمة.
محمد طيفوري
مقالات أخرى
23 أكتوبر 2024
11 أكتوبر 2024
22 سبتمبر 2024