المغرب.. الإرهاب يُسائل الجميع

27 ديسمبر 2018
+ الخط -
استجد النقاش في المغرب بشأن الأسباب والخلفيات التي تحكم العنف الديني وتوجه تحولاته، بعد العملية الإرهابية التي أودت أخيرا بسائحتين، دنماركية ونرويجية، في منطقة إمليل قرب مراكش، وخلفت استياء داخل قطاعات (هل في الوسع وسمُها واسعة؟) داخل الرأي العام المغربي. 
وعلى الرغم من تعدد زوايا النظر إلى الإرهاب، وتباينها في تفسير أسبابه المتداخلة، إلا أن الظاهرة باتت تسائل الجميع، دولة ونخبـا ومجتمعا. وتتحمل الدولة جزءا كبيرا من هذا الحصاد المأساوي، من خلال سياساتها العمومية التي تفتقد استراتيجية واضحة تؤطّرها وتقودها، ويزداد الأمر سوءا في القطاعات الحسّاسة، وفي مقدمتها التعليم الذي يُفترض أن يُشكل رافعة التحديث الثقافي والاجتماعي، وأن يمد المجتمع بأجيالٍ تتعاقب على بثِّ قيم التنوير والحداثة والمواطنة ونشرها بين مفاصله الغارقة في التقليد.
ندفع اليوم في المغرب، وفي معظم البلاد العربية، ثمن التضحية بالتعليم على مذبح الصراع السياسي والاجتماعي، ورفض إصلاح منظومته بما يمكّنها من الإسهام في تحمل جزء من كلفة التنمية والتحديث. ويمكن الزعم أن عدم توفر بيانات ومعطيات ميدانية بشأن عدد ضحايا الهدر المدرسي في المغرب خلال العقود الثلاثة الأخيرة لا يمنع المجازفة بالقول إن التطرّف الديني الذي يتغلغل، بهدوء، داخل المجتمع المغربي، يجد جذوره العميقة في مغادرة آلاف مقاعد الدراسة، بما لذلك من تبعاتٍ تربويةٍ وثقافيةٍ وسياسية كارثية. وقد أفضى هذا الوضع إلى فراغ تربوي وثقافي رهيب، وجد فيه الفكر التكفيري، بمختلف أذرعه الدعوية والثقافية والإعلامية، مرتعا للتمدّد في غياب استراتيجية مجتمعية ناجعة.
وإذا أضيفت إلى ذلك الهشاشة الاقتصادية، والإقصاء الاجتماعي، وتنامي أحزمة الفقر والبؤس حول المدن والحواضر الكبرى، يزداد المشهد قتامة ورعبا، فإنتاج الإرهاب آثاره المدمّرةَ لم يعد يتوقف على ضرورة الالتحاق بمعسكرات التنظيمات الجهادية، والاطلاع على أفكارها ومخططاتها، بل أصبحت شبكات التواصل الاجتماعي تتكفل بذلك، مُفسحةً المجال أمام طور جديد في صناعة الإرهاب وترويجه، بتعقب الذئاب المنفردة، وتعبئتها، وترك هوامش واسعة لها كي ''تجتهد'' في بثِّ الموت والخراب. وهنا تصبح المقاربة الأمنية غير كافية لاجتثاث جذور العنف والإرهاب، ما دام الأمر يتعلق بقناعات دينية وفكرية يتبناها أصحابها، ويشكلون مخرجاتها في صمتٍ.
وعلى الرغم من مسؤولية الدولة المغربية في هذا الصدد، إلا أنه لا يمكن تبرئة المجتمع، ولا غض الطرف عن ظواهر كثيرة داخله هي بمثابة تربةٍ خصبةٍ لتجذّر العنف والإرهاب. وتتحمّل مؤسساته الرئيسيةُ قسطاً غير يسيرٍ من المسؤولية في بث روح الكراهية والتعصب بترويج نبذ الآخر الذي ينتمي إلى الأديان والثقافات الأخرى، وبناء بديهيات وثوقية، تتحوّل مرجعيةً تؤطر علاقتنا بهذا الآخر الذي يحيل على ''منظومة الكفر'' بكل مكوناتها. وهنا تلعب قنوات التنشئة الاجتماعية أدوارا حاسمة في تشكيل هذه البديهيات، وتمريرها من جيل إلى جيل، سيما في ظل التردّي الذي تعرفه منظومة التربية والتكوين، وغيابِ سياسات ثقافية تراهن على الحداثة، الأمر الذي يجعل تبنّي التطرف الديني، والإقبالَ على مخرجاته، أمرا واردا جدا، خصوصا أمام عجز مؤسسات المجتمع الأخرى عن اجتثاث ثقافة العنف من المجتمع، والاضطلاع بدورها في نشر قيم الاختلاف والتسامح وقبول الآخر.
وتطرح جريمة إمليل موقع المغرب في خريطة التجاذبات الدولية المرتبطة بمكافحة الإرهاب. وكانت الأجهزة الأمنية المغربية قد نجحت في تفكيك خلايا إرهابية مرتبطة بالجهادية الدولية، غير أن اندحار تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسورية، وتقلص مساحة الحركة أمامه في الشرق الأوسط، يرجّحان احتمال انتقال جزء كبير من مخططاته إلى منطقة الساحل وجنوب الصحراء، ما يطرح تحديات أمنية واستخباراتية على المغرب.
الاقتصار على وسيلة واحدة، مهما كانت فعاليتها، لمجابهة خطر الإرهاب واجتثاثه، لم يعد مجديا، في ظل التعقيدات التي تحيط به، وتقاطعها مع عوامل دولية وإقليمية مؤثرة. ولذلك، الحاجة ملحة لسياسة متكاملة تستوعب جملة من المحدّدات التربوية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، في أفق تشكيل بوصلة مجتمعية قادرة على التصدّي لوحش الإرهاب ومحاصرته.
دلالات