المغرب الأفريقي أم العربي؟

02 سبتمبر 2016
+ الخط -
الانتباه إلى حجم الحيز الذي أخذته السياسة الخارجية في خطاب ملك المغرب، محمد السادس، بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب، في 20 أغسطس/ آب الماضي، يوضح وحده التحوّل الكبير الذي طاول تمثل المؤسسة الملكية لجدلية الداخل والخارج، بعد تجاوز المرحلة التي شكل الاهتمام، في أثنائها، بالسياسات الداخلية أولويةً مطلقةً في بدايات "العهد الجديد"، وهي المرحلة التي مثلت جملة "تازة قبل غزة" عنوانها الأبرز (تازة مدينة مغربية). هذا التحول المرتبط بالبحث عن تموقع جديد للمغرب داخل الساحة الدولية رافقته إعادة ترتيب لأولويات دوائر السياسة الخارجية للبلاد، والانتقال من أداء خارجي مبني على الاصطفافات والتصنيفات الإيديولوجية إلى أداءٍ يريد أن يتحرّر، ما أمكن، من الشبكة التقليدية لهذه التصنيفات، وأن ينتقل من سياسةٍ خارجيةٍ بخلفيةٍ "عقائديةٍ" إلى سياسةٍ خارجيةٍ مبنيةٍ على تقديراتٍ موضوعيةٍ للمصلحة الوطنية، ما يعني عملياً الانفتاح أكثر خارج خريطة العواصم التي طالما شكّلت تاريخياً نقط ارتكاز العمل الدبلوماسي المغربي، وهذا ما يرتبط، بالتالي، بالحاجة إلى تنويع الشركاء الدوليين.
وإذا كانت مقتضيات القضية الوطنية تجعل من الطبيعي أن تكون الصحراء المغربية داخل قلب الاهتمام الدولي، سواء في علاقة المغرب بالمنظمات الدولية وبالدول الكبرى، أو في علاقته بالعواصم المؤثرة في الساحتين العربية والأفريقية، فإنه، بالموازاة مع ذلك، أصبح الموضوع الاقتصادي يفرض نفسه واحداً من المحدّدات الرئيسية لهذه السياسة الخارجية "الجديدة"، فضلا طبعاً عن موضوعة الأمن.
ضمن هذا السياق، يمكن اعتبار الخطاب الملكي الجديد مرافعةً واضحةً في باب إعادة تعريف الدائرة الأفريقية أولوية استراتيجية للسياسة الخارجية، حيث بسط العناصر الأساسية المحدّدة لمرجعية السياسة الأفريقية الجديدة للمملكة. وهنا، الكلمة المفتاح طبعاً هي "الالتزام"، حيث تصبح هذه السياسة تعبيراً عن انخراطٍ إراديٍّ في قضايا شعوب أفريقيا. وهذا ما يجعل الخطاب المؤطر والمواكب لهذه السياسة يحمل دائماً نفحةً نضاليةً بحمولةٍ "عالمثالثية"، مدافعةٍ عن الجنوب، وعن نظامٍ اقتصادي عادل، حيث تعتمد مفرداته إدانةً واضحةً للاستعمار، ولكل أشكال الهيمنة، ولا يتردّد في تقديم نفسه خطاباً للحقيقة العارية المبتعدة عن المجاملات الدبلوماسية، وهي المفردات نفسها التي فاجأت الرأي العام الوطني، في رسالةٍ ملكيةٍ سابقةٍ إلى الأمم المتحدة حول قضايا أفريقيا، قبل أن يتم تطويرها في مناسبةٍ لاحقةٍ، في خطابٍ ملكيٍّ في إحدى العواصم الأفريقية.
على مستوى الأداء، نهضت هذه السياسة الأفريقية، عمليا منذ سنوات قليلة، على دبلوماسيةٍ ملكيةٍ مباشرة، شكلت الزيارات المتواترة إلى بلدانٍ عديدةٍ في القارة إحدى أدواتها الفعالة، فضلا عن تقويةٍ واضحةٍ لأشكال الحضور الاقتصادي والشراكات المغربية الأفريقية التي يصل مداها إلى أكثر من أربعين دولة.
وجدت الدبلوماسيتان، السياسية والاقتصادية، إلى جانبهما، دبلوماسيةً جديدةً تعنى بالأبعاد الدينية
والروحية، وتهتم بتدبير طلب مجتمعي مهم داخل دول أفريقية كثيرة، على الإسهام في التأطير الديني، ونشر قيم الوسطية الإسلامية والاعتدال. وهي السياسة التي يشكّل الإعلان عن قرار عودة المغرب إلى منظمة الاتحاد الأفريقي ترجمتها المؤسسية الواضحة، باعتبارها التكثيف الطبيعي لعودة المغرب السياسية والاقتصادية والروحية إلى محيطه الأفريقي. هل تعني هذه السياسة الأفريقية للمغرب بديلا عن التوجه العربي للرباط؟ إعادة تركيب الوقائع ويوميات السياسة الخارجية للمغرب لا تذهب في اتجاه تأكيد هذه الفرضية السهلة، ذلك أن الفتور الذي شهدته السياسة العربية للمغرب، في بدايات حكم الملك محمد السادس، قياساً مع عهد الراحل الحسن الثاني، والذي طبع بحضوره الشخصي عقوداً من الحياة السياسية العربية، مستنداً إلى نخبةٍ من المستشارين وكبار المساعدين بهوى "عربي" في غالبيتهم، سرعان ما انطلقت محاولات تجاوزه أساساً عبر تدعيم مسار العلاقات المغربية الخليجية وتقويتها، وهي العلاقات التي باتت تدخل في الخانة الاستراتيجية. في المقابل، إن موقفاً واضحاً يتّسم بعدم التحمّس، استمرت المملكة في تجسيده تجاه دبلوماسية القمم العربية، منذ بداية الألفية وإلى حدود قمة نواكشوط أخيراً.
وقد ظل العمل على مستوى الواجهة المغاربية معطلاً، بالنظر أساساً إلى التوتر المغربي الجزائري، على خلفية قضية الصحراء المغربية، غير أن ذلك لم يمنع الخطاب الملكي، وهو يستحضر التاريخ النضالي المشترك للشعبين المغربي والجزائري، في مواجهة الاستعمار الفرنسي، إلى التذكير بالحاجة الماسّة في الظروف الراهنة التي تمرّ منها الشعوب العربية، والمنطقة المغاربية، لتلك الروح التضامنية، لرفع التحديات التنموية والأمنية المشتركة، لمواصلة العمل معاً، بصدقٍ وحسن نية، من أجل خدمة القضايا المغاربية والعربية.
2243D0A1-6764-45AF-AEDC-DC5368AE3155
حسن طارق

كاتب وباحث مغربي