لم يعد الأردن الوجهة المفضلة لقضاء الإجازات الصيفية للكثير من المواطنين لاسيما المغتربين منهم، الذين دأبوا في السنوات الأخيرة على البحث عن وجهات أخرى في ظل ارتفاع الأسعار بشكل كبير.
ويقول أردنيون التقتهم "العربي الجديد" إن الأسعار المتصاعدة في ظل القرارات الحكومية التي تعتمد على جباية الضرائب، أثرت سلبا على قدراتهم الشرائية وجعلت المزارات السياحية داخل البلاد أقل جذبا مع تزايد الإنفاق فيها.
ووفق بيانات صادرة عن البنك المركزي فإن المستوى العام للأسعار ارتفع بنسبة 4.1% خلال الخمسة شهور الأولى من العام الحالي، مقارنة بنحو 3.7% لذات الفترة من العام الماضي 2017.
وأشار المركزي إلى أن هذا الارتفاع جاء نتيجة زيادة أسعار النفط العالمية وانعكاسها على الأسعار محليا بالإضافة إلى حزمة الإجراءات السعرية التي اتخذتها الحكومة، والتي كان من أبرزها تحرير أسعار الخبز مطلع العام الجاري 2018، ما رفع أسعاره بنسبة وصلت إلى 100%.
وبحسب المركزي فإن من أبرز البنود التي شهدت ارتفاعا في أسعارها مواد غذائية مثل الحبوب ومنتجاتها والنقل والتبغ والسجائر وأجور المساكن وغيرها.
يقول المواطن نائل فلاح، وهو مغترب يعمل في دولة خليجية، إنه يعمل في الخارج منذ حوالي 20 عاما، بينما أضحت تكاليف الحياة في الأردن أكثر ارتفاعا في السنوات الأخيرة.
ويضيف فلاح لـ"العربي الجديد" أن الغلاء طاول كافة السلغ الغذائية والعقارات والمطاعم ومختلف المرافق السياحية والسيارات، وأن العودة لقضاء العطلة الصيفية بالنسبة له ولباقي المغتربين أصبحت مكلفة جدا.
ويشير إلى أن المغتربين عادة ما يقومون بشراء العقارات مثل الأراضي والشقق السكنية كل عام لتأمين مستقبل ابنائهم، لكن الأسعار شهدت قفزات كبيرة خاصة في العاصمة عمان، لافتا إلى أنه اشترى شقة سكنية بمساحة 200 متر بنحو 180 ألف دولار، وهي نتاج عملة لفترة طويلة في الخليج، علما بأن الأسعار كانت أقل بكثير قبل 10 سنوات. وبلغ إجمالي حوالات الأردنيين العاملين في الخارج حولي 1.5 مليار دولار.
وبحسب إحصاءات نشرها موقع الايكونوميست البريطاني في مايو/أيار الماضي، فقد حافظت العاصمة الأردنية عمان على صدارة قائمة أغلى المدن العربية، بينما احتلت المرتبة 29 بقائمة اغلى المدن في العالم، كما جاءت ثانية على مستوى الشرق الأوسط. وتضمنت الدراسة 133 مدينة حول العالم تمت خلالها مقارنة تكاليف الحصول على أكثر من 60 منتجا بما في ذلك الغذاء والكساء.
وقامت الحكومة الأردنية مطلع العام الجاري برفع الضريبة العامة على المبيعات لتصبح 10% على بعض السلع الخاضعة والمعفاة أصلا من تلك الضريبة، فضلا عن زيادة أجور النقل العام بنسبة 10% وأسعار الكهرباء 6 مرات منذ بداية العام. وفرضت الحكومة كذلك زيادة على أسعار السيارات ورفع رسوم نقل ملكية المركبات، حيث تتجاوز الرسوم والضرائب على بعض أنواع السيارات 100%. وشهد الأردن احتجاجات واسعة في مايو/أيار، على زيادة الاسعار والضرائب أدت إلى اسقاط الحكومة السابقة برئاسة هاني الملقي.
ويقول عماد الرقاد، الذي يعمل موظفا في القطاع العام، إن الأماكن السياحية داخل الأردن أضحت غير جاذبة إطلاقا من حيث الأسعار وبات الأردنيون يفضلون السفر للخارج لقضاء اجازاتهم والتنزه.
ويوضح الرقاد أن تركيا ومصر من الوجهات المفضلة بالنسبة للكثير من الأردنيين لانخفاض الكلف مثل أسعار الفنادق والمرافق السياحية وتذاكر الطيران وغيرها، فيما الأسعار في الأردن خاصة في مدينة العقبة الساحلية مرتفعة جداً قياسا بالبلدان الأخرى.
وبحسب بيانات البنك المركزي، فقد بلغ إنفاق الأردنيين على السفر حوالي 522 مليون دولار خلال الخمسة شهور الأولى من العام الحالي.
وحتى كلف التعليم والعلاج يقول مواطنون أصبحت مرتفعة جداً في الأردن وتتجه أعداد كبيرة من الأردنيين للدراسة في دول أخرى مثل تركيا وروسيا ومصر وأوكرانيا والصين وغيرها للتعليم الجامعي.
ويقر مسؤول حكومي بأن الأردن أصبح من أغلى دول العالم، خاصة في السنوات الأخيرة، فالأسعار أضحت أغلى مثلا من اليونان بأربع مرات.
ويقول محمد عبيدات رئيس جمعية حماية المستهلك، إن مستويات المعيشة تراجعت كثيراً في السنوات الأخيرة، بسبب القرارات الحكومية التي أدت إلى زيادة الأسعار عدة مرات في السنة الواحدة.
ويشير عبيدات في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن غلاء الأسعار لم يقتصر على المواد التموينية، بل طاول العقارات والتعليم والصحة والنقل والسياحة وغيرها، حيث تظهر مكونات سلة المستهلك ارتفاعا كبيراً في معدل التضخم في السنوات الأخيرة، مضيفا أن " النسب التي تعلنها الجهات الحكومية لا تعكس الواقع تماما، فمعدلات التضخم أعلى مما يتم إعلانه من حين لآخر".
وارتفع معدل الفقر إلى 20% وفقا لأخر بيانات حكومية معلنة في وقت سابق من العام الجاري فيما كان 14% وفقا لاخر دراسة أجريت عام 2010.
ويشير رئيس جمعية حماية المستهلك، إلى أهمية تنبه الحكومة لمخاطر ارتفاع الأسعار وزيادة معدلات التضخم على الوضع الاقتصادي بشكل عام من حيث تراجع النشاط السياحي وانخفاض تحويلات المغتربين.