05 نوفمبر 2024
المغاربة وانتخابات الجزائر .. الجوار الصعب
يشعر المغاربة أن الانتخابات الجزائرية الرئاسية تعنيهم مباشرةً، بالنتائج والإسقاطات الجيوستراتيجية المحتملة، كما بالساكن الذي سيدخل قصر الرمادية. ودشنت النخبة المغربية تعاملاً غير مسبوق مع هذه الانتخابات، بحيث أن التلفزيون الحكومي فتح، في سياق متابعةٍ مباشرةٍ، نقاشاً بشأن هذا الموضوع الذي ظلت النخبة من صناع القرار تمتنع عن الخوض فيه.
ويعتبر كثيرون أَن سابقة البرنامج التلفزيوني تستحق الاهتمام. وقد شارك كاتب هذه السطور فيه، وتلقيت ردي فعل متباينين، من داخل الحقل الإعلامي ومن الدائرة السياسية. واعتبر الأول أن الموقف المغربي الأفضل هو الترقب، والابتعاد ما أمكن عن الخوض في الشأن الداخلي للجارة الجزائر، ذلك أن لدى الشقيقة الشرقية حساسية مفرطة إزاء ما يصدر عن أهل المغرب (وعن فرنسا أيضاً)، ولا سيما أن الموقف من المغرب يعدُّ، أحياناً كثيرة، عصب الخطاب الوطني السيادي، وأسمنت النظام إزاء أي انفراج.
واعتبر الرد الثاني أن المغرب مطالبٌ بتدبّر أمر جيرانه، وهو، كما قال أصحاب كتاب المغرب الاستراتيجي الصادر أخيراً بالفرنسية، ومطالبٌ بقراءة جواره قراءة توقعٍ سياسيٍّ، وقراءة قياس المسار الداخلي. بمعنى أوضح، يعتبر أَصحاب هذا الرأي أن المغرب دبر، من قبل، ما حدث في جواره المغاربي في تونس وليبيا، وقرأ الربيع التونسي بشكل سمح له بأن يذهب مسافةً جديدةً في إعادة بناء الدولة بشكل ديمقراطي.
من الزاوية نفسها، تفاعل المغرب مع ثورات الجوار المغاربي، وسارع إلى الاسترشاد بها، وتكريس مقاربته الذاتية في الإفلات من الاستحالة السياسية في حل مشكلاته وصراعاته، كما حدث في بلدانٍ أخرى.
ويعتبر جزء من النخبة المغربية أن تطور المغرب الكبير مرتبطٌ بالوضع السياسي الداخلي، للجزائر الدولة الكبرى، وبرهان ذلك أن الهوية الاستراتيجية لها، والتي بنتها على التنافس، إن لم نقل النزاع، مع المغرب، تتحدّد، في جزءٍ كبيرٍ منها، في نوعية القرار الداخلي. وبمعنى آخر: إذا سارت الجزائر نحو الانفراج الداخلي، وامتحنت آلياتٍ جديدةً في تدبير الدولة، فإن علاقة التوتر مع الجار الغربي ستترك المجال للبناء الجماعي في الفضاء المتوسطي المغاربي. ويعطون مثالاً حرب التسلح الذي تخوضه الجارتان، ما يجعل الحذر قائماً، ولن يزول إلا بتغييرٍ في الطبقة السياسية.
وفي هذا السياق، يستحضر مغاربة كثيرون الدبلوماسية العدائية التي يحيل إليها شخص الرئيس الجزائري الحالي، عبد العزيز بوتفليقة، والذي كان وراء القوة الدبلوماسية، إبان كان وزيراً للخارجية في عهد هواري بومدين، ويربطون بينه وبين حدّة المواجهة مع المغرب منذ توليه الرئاسة. كما أن استمرار التصلب الجزائري وإغلاق الحدود بين البلدين سيفرضان على المملكة التوجه نحو الجنوب (موريتانيا وإفريقيا)، ما يعني ترك المغرب الكبير معلقاً في الجغرافيا والسياسة معاً. وتعطيل ذلك، حسب الباحث في المعهد الأورو-متوسطي، مهدي التاج، يعني تقوية الفاعلين الخارجيين، بحيث أن التعطيل الذاتي الذي يفرضه المغاربيون على أنفسهم يفتح الطريق للفاعلين الدوليين للتحكم في القدر الاستراتيجي والاقتصادي للمنطقة، وهذه إشارة تعني تدخلاً قوياً لأميركا، والاختراق الصيني، وعودة روسيا من بوابة السباق من أجل التسلح.
وفي صلب الاهتمام المغربي، إن لم نقل زاوية المعالجة المركزية، الأقاليم الجنوبية للمملكة، والتي ترعى فيها الجزائر موقف المطالبة بالانفصال، وصناعة كيان سادس في منطقة المغرب الكبير. وهذا موضوع تعتبر النخبة الجزائرية، اللهم فيما ندر، التعرض له من المحرمات، سلباً بطبيعة الحال.
وما من شك أن تقسيماً للعمل الديمقراطي تأسس منذ الربيع العربي والثورات، لاسيما في تونس وليبيا، يجعل المغرب في خندق الدول التي تساير انتقالها الديمقراطي، إلى جانب تونس، ويجعل الجزائر، بلغة جبهة القوى الاشتراكية التي أسسها أحد قادة جبهة التحرير، حسين آيت أحمد، تعيش أزمة قواعد اللعب، والمراوحة في المكان. وقد يخلق ذلك تقاطعاتٍ جديدةً بين عواصم الضفة الجنوبية للمتوسط. وهذا يعني المغرب مباشرة.
ويعرف المغاربة، أخيراً، أنهم لا يصنعون جيرانهم، بل تلك مهمة الجغرافيا، لكنهم يعرفون، أيضاً، أن الجيران يصنعون سياساتهم، تركوهم لحالهم أم لم يتركوهم.
ويعتبر كثيرون أَن سابقة البرنامج التلفزيوني تستحق الاهتمام. وقد شارك كاتب هذه السطور فيه، وتلقيت ردي فعل متباينين، من داخل الحقل الإعلامي ومن الدائرة السياسية. واعتبر الأول أن الموقف المغربي الأفضل هو الترقب، والابتعاد ما أمكن عن الخوض في الشأن الداخلي للجارة الجزائر، ذلك أن لدى الشقيقة الشرقية حساسية مفرطة إزاء ما يصدر عن أهل المغرب (وعن فرنسا أيضاً)، ولا سيما أن الموقف من المغرب يعدُّ، أحياناً كثيرة، عصب الخطاب الوطني السيادي، وأسمنت النظام إزاء أي انفراج.
واعتبر الرد الثاني أن المغرب مطالبٌ بتدبّر أمر جيرانه، وهو، كما قال أصحاب كتاب المغرب الاستراتيجي الصادر أخيراً بالفرنسية، ومطالبٌ بقراءة جواره قراءة توقعٍ سياسيٍّ، وقراءة قياس المسار الداخلي. بمعنى أوضح، يعتبر أَصحاب هذا الرأي أن المغرب دبر، من قبل، ما حدث في جواره المغاربي في تونس وليبيا، وقرأ الربيع التونسي بشكل سمح له بأن يذهب مسافةً جديدةً في إعادة بناء الدولة بشكل ديمقراطي.
من الزاوية نفسها، تفاعل المغرب مع ثورات الجوار المغاربي، وسارع إلى الاسترشاد بها، وتكريس مقاربته الذاتية في الإفلات من الاستحالة السياسية في حل مشكلاته وصراعاته، كما حدث في بلدانٍ أخرى.
ويعتبر جزء من النخبة المغربية أن تطور المغرب الكبير مرتبطٌ بالوضع السياسي الداخلي، للجزائر الدولة الكبرى، وبرهان ذلك أن الهوية الاستراتيجية لها، والتي بنتها على التنافس، إن لم نقل النزاع، مع المغرب، تتحدّد، في جزءٍ كبيرٍ منها، في نوعية القرار الداخلي. وبمعنى آخر: إذا سارت الجزائر نحو الانفراج الداخلي، وامتحنت آلياتٍ جديدةً في تدبير الدولة، فإن علاقة التوتر مع الجار الغربي ستترك المجال للبناء الجماعي في الفضاء المتوسطي المغاربي. ويعطون مثالاً حرب التسلح الذي تخوضه الجارتان، ما يجعل الحذر قائماً، ولن يزول إلا بتغييرٍ في الطبقة السياسية.
وفي هذا السياق، يستحضر مغاربة كثيرون الدبلوماسية العدائية التي يحيل إليها شخص الرئيس الجزائري الحالي، عبد العزيز بوتفليقة، والذي كان وراء القوة الدبلوماسية، إبان كان وزيراً للخارجية في عهد هواري بومدين، ويربطون بينه وبين حدّة المواجهة مع المغرب منذ توليه الرئاسة. كما أن استمرار التصلب الجزائري وإغلاق الحدود بين البلدين سيفرضان على المملكة التوجه نحو الجنوب (موريتانيا وإفريقيا)، ما يعني ترك المغرب الكبير معلقاً في الجغرافيا والسياسة معاً. وتعطيل ذلك، حسب الباحث في المعهد الأورو-متوسطي، مهدي التاج، يعني تقوية الفاعلين الخارجيين، بحيث أن التعطيل الذاتي الذي يفرضه المغاربيون على أنفسهم يفتح الطريق للفاعلين الدوليين للتحكم في القدر الاستراتيجي والاقتصادي للمنطقة، وهذه إشارة تعني تدخلاً قوياً لأميركا، والاختراق الصيني، وعودة روسيا من بوابة السباق من أجل التسلح.
وفي صلب الاهتمام المغربي، إن لم نقل زاوية المعالجة المركزية، الأقاليم الجنوبية للمملكة، والتي ترعى فيها الجزائر موقف المطالبة بالانفصال، وصناعة كيان سادس في منطقة المغرب الكبير. وهذا موضوع تعتبر النخبة الجزائرية، اللهم فيما ندر، التعرض له من المحرمات، سلباً بطبيعة الحال.
وما من شك أن تقسيماً للعمل الديمقراطي تأسس منذ الربيع العربي والثورات، لاسيما في تونس وليبيا، يجعل المغرب في خندق الدول التي تساير انتقالها الديمقراطي، إلى جانب تونس، ويجعل الجزائر، بلغة جبهة القوى الاشتراكية التي أسسها أحد قادة جبهة التحرير، حسين آيت أحمد، تعيش أزمة قواعد اللعب، والمراوحة في المكان. وقد يخلق ذلك تقاطعاتٍ جديدةً بين عواصم الضفة الجنوبية للمتوسط. وهذا يعني المغرب مباشرة.
ويعرف المغاربة، أخيراً، أنهم لا يصنعون جيرانهم، بل تلك مهمة الجغرافيا، لكنهم يعرفون، أيضاً، أن الجيران يصنعون سياساتهم، تركوهم لحالهم أم لم يتركوهم.