حين ندرك أننا لا نفهم موضوعاً أو شخصاً معيّناً، نميل إلى إظهار تواضعٍ وانتباهٍ لهذا الموضوع أو الشخص. الحكمة أيضاً تولّد التواضع. لكن أن نعرف قليلاً عن موضوعٍ أو شخصٍ ما، يقودنا غالباً إلى الغطرسة والتعنّت الذهني.
فحين نفترض ـ مخطئين ـ أننا نملك "معرفة" كافية، نتوقّف عن طرح الأسئلة، ونتوقف عن التثقّف والبحث، ما يخلق فراغاً فكرياً تتمدد فيه الكليشيهات والأفكار الثقافية المقولبة.
وبالتالي، كلما كان جهلنا كبيراً في موضوعٍ أو شخصٍ ما، ازداد خوفنا منه، واتّسعت دائرة أحكامنا المسبقة عليه. وبمزيجٍ من هذا الخوف الذي لا نتحكّم فيه، ومن هذه الأحكام المسبقة، يسهل علينا خلق "الآخر" المختلف عنّا، الذي يتعذّر الاختلاط به، وبالتالي قبوله.
ينطبق هذا الأمر اليوم، مثل البارحة، على العلاقات بين شرقٍ وغرب، حيث ما زلنا ننتظر انطلاق حوارٍ حقيقي وعميق بين شعوب ضفّتي المتوسط، يفجّر التعميمات الساذجة، آخذاً بالاعتبار التفاصيل والخصوصيات، ومعيداً تأهيل أمثولة التاريخ.
فأين يبدأ الشرق وأين ينتهي الغرب؟ في الحقيقة، لم تكن الحدود يوماً جامدة ومغلقة بينهما، على مر العصور، بل كانت دائماً مفتوحة في مكانٍ ما، في حركةٍ دائمة، مثل الحياة نفسها.