ومن المقرر بدء جولة مفاوضات جديدة، اليوم الخميس، بين وفدي المعارضة السورية والنظام في مقر الأمم المتحدة في فيينا، للتباحث حول سلة الدستور، وهي السلة الثالثة لما اصطلح على تسميته "سلال المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا الأربع"، وهي الحكم والانتخابات والدستور ومحاربة الإرهاب. وكانت الجولة الثامنة من مفاوضات جنيف انتهت في منتصف الشهر الماضي، من دون تحقيق أي تقدم. ووُصفت بأنها "من أفشل جولات التفاوض"، مع اختلاق وفد النظام ذرائع من أجل عدم الانخراط في مفاوضات جدية.
من جانبها أكدت المعارضة السورية أنها "ذاهبة في مفاوضات مسار جنيف لشوطها الأخير"، رغم يقينها أن "هذه المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود وباتت في خطر حقيقي، إذ ليس في نيّة النظام الدخول في مفاوضات على أساس قرارات دولية تدعو إلى انتقال سياسي من شأنه تقويض النظام".
وجاءت الجولة الجديدة بعد يومين من زيارة قام بها وفد من هيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة السورية إلى العاصمة الروسية موسكو في خطوة غير مسبوقة، أثارت جدلاً واسعاً في الشارع السوري المعارض، الذي انتقد زيارة دولة "شريكة في سفك دماء السوريين، وتشريدهم، ولا تزال تدافع عن النظام في المحافل الدولية وتعلن أنها ضد إزاحة بشار الأسد عن السلطة".
لكن أحد أعضاء الوفد الذين التقوا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قال لـ"العربي الجديد"، إن "لقاء الساعات الأربع مع لافروف كان مثمراً"، مضيفاً "سمعنا كلاماً جديداً من المسؤولين الروس، إذ أكدوا دعمهم لمفاوضات جنيف، مشيرين إلى أن موسكو تدرك أنه ليس لبشار الأسد مكان في مستقبل سورية". وأشار المصدر إلى أن "المسؤولين الروس أكدوا لنا أنهم جاهزون لتعديل مخرجات مؤتمر سوتشي في حال حضورنا"، معتبراً أن هذا الموقف تطور كبير يمكن البناء عليه.
بموازاة ذلك، بدأت موسكو توجيه الدعوات لحضور مؤتمر "الحوار الوطني السوري" في سوتشي المقرر في 29 و30 من الشهر الحالي، مع محاولة موسكو توفير زخم سياسي وإعلامي لتأكيد دورها في أي حل سياسي للقضية السورية. ورغم عدم حسم المعارضة السورية أمر المشاركة في سوتشي، إلا أنه من المتوقع اتخاذ قرار بذلك على هامش جولة فيينا. ومن الواضح أن المعارضة السورية واقعة تحت ضغوط إقليمية هائلة لدفعها للمشاركة في مؤتمر سوتشي، إذ أكدت مواقع إخبارية معارضة أن "فصائل المعارضة المسلحة قررت في اجتماع عقدته أخيراً في العاصمة التركية أنقرة، التوافق على تشكيل وفد مؤلف من 350 عضواً، لحضور مؤتمر سوتشي في حال لم تستطع مقاومة الضغوط عليها". وأشارت المصادر إلى أن "الوفد يمثل الائتلاف الوطني، والحكومة السورية المؤقتة، والفصائل الثورية المسلحة، والمجلس الإسلامي السوري، ووفد الهيئة العليا للمفاوضات".
وكان المتحدث باسم الهيئة، يحيى العريضي، قال لـ"العربي الجديد" إن "الحريري كشف للمسؤولين الروس أن ما تسرّب عن مؤتمر سوتشي يتشح بالغموض والالتباس، وأن الهيئة ارتأت ألا تتخذ قراراً نهائياً بخصوص المؤتمر، حتى تحصل على معطيات واضحة".
وييدو أن المعارضة السورية في سياق البحث عن تطمينات وضمانات كافية قبل اتخاذ قرارها بالمشاركة بمؤتمر سوتشي، كي لا تجد نفسها منساقة إلى مسار جديد يصبّ في صالح ترسيخ رؤية روسية للحلّ تقوم على إعادة إنتاج نظام الأسد. وتريد المعارضة وفق مصادر في هيئة التفاوض معرفة أبعاد هذا المؤتمر ومدى رضى الأمم المتحدة عنه، وهل هو داعم لمسار جنيف التفاوضي، وهل نتائجه تساعد على تنفيذ القرار 2254 وبيان جنيف1، وما هي صلاحيات اللجان التي تنبثق عن المؤتمر، وهل سيؤدي إلى وقف إطلاق نار كامل، وإطلاق سراح المعتقلين، وفك الحصار عن المناطق المحاصرة من قبل النظام؟
ولا تزال المعارضة تتمسك بمسار جنيف من أجل التوصل لحل سياسي ترعاه الأمم المتحدة وفق قرارات دولية ذات صلة، غير أنها لا تملك أوراقا مقاومة للضغوط الإقليمية والدولية عليها من أجل تغيير خطابها السياسي، تحت ذريعة "قراءة المشهد السياسي بشكل واقعي"، ما يعني الانزلاق إلى حلول يرفضها الشارع السوري المعارض.