المعارضة السورية تتوجّس من إدارة القاهرة لملفها

23 يناير 2015
تسليم الملف لمصر بعد تملص الدول منه(عمرو صلاح الدين/الأناضول)
+ الخط -
بعد مضي يومين على لقاء القاهرة التشاوري، الذي بدأ التحضير له بجهود مكوكية من مختلف أطياف المعارضة السورية منذ أشهر للتوصل إلى حوار سوري ـ سوري يفضي إلى توحيد جهود قوى المعارضة، بدأت أغلب فصائل المعارضة السورية تتوجّس من أسلوب تعاطي القاهرة مع الملف السوري، والذي يبدو أنه أُوكِل إليها بتفاهمات عربية ودولية.


وكان يفترض أن يُترجم ما بذلته المعارضة السورية من جهود خلال الشهرين الماضيين في سبيل إتمام هذا الحوار، بشكل رسمي أكثر مما تم عليه ضمن اللقاء التشاوري في القاهرة، خصوصاً بعد توصل "الائتلاف الوطني" وهيئة التنسيق الوطني إلى مذكرة تفاهم ترسم خارطة طريق للحل السياسي. لكن يبدو أن القاهرة لا تزال تتعامل مع القضية السورية بمقاربة سياستها الداخلية وما تحتويه من أزمات، والتي تجلت بداية باشتراطها خلال الشهر الماضي عدم تمثيل "الإخوان المسلمين" في اجتماعات المعارضة السورية على أراضيها، قبل أن تتوضح الأمور أكثر خلال الاجتماع الجاري بعد توجيه الدعوات بشكل انتقائي لأفراد من تيارات سياسية وليس للكيانات السياسية.

وفي أول تعليق رسمي للائتلاف حول لقاءات القاهرة، أوضح المتحدث، سالم المسلّط أنّ "السعي باتجاه الحوار السوري - السوري كان بإرادة جميع قوى المعارضة، كحاجة وطنية مستمرة قبل أن يكون مطلباً من أي جهة، خصوصاً أنّ مكوّنات المعارضة السورية متفقة على الخطوط العامة لأهدافها، ولكنّها قد تختلف حول الآليات، وهو أمر طبيعي".

كما شدّد المسلّط على "ضرورة التزام الجامعة العربية بدورها في رعاية ودعم أي اجتماع يضم قوى الثورة والمعارضة السورية لمناقشة وإيجاد طرق لتفعيل قرارات الجامعة العربية والأمم المتحدة والانطلاق منها إلى تنفيذ بيان جنيف أو ما يستند إليه من قرارات مستقبلية".
وبالنسبة للدعوات التي وُجّهت للقاء القاهرة، أكّد المسلط أنّ "الائتلاف" لم يتلقّ دعوة رسمية للذهاب الى اللقاء، وأنّ حضور الاجتماع كان بصفة شخصية وليس باسم "الائتلاف".

من جهة ثانية، يُبرز لقاء القاهرة بوضوح تبادل الأدوار الإقليمية في تولّي الملف السوري، إذ يظهر أن المهمة أوكلت إلى مصر، مع تنصل باقي الأطراف من وزر هذا الملف، حتى الجامعة العربية التي من المفترض أن ترعى هذا الحوار، سلّمت بسرعة لطلب الخارجية المصرية، إذ إنّ الأمين العام لجامعة الدول العربية، نبيل العربي، عرض استضافة الجامعة لحوار الفصائل السورية، غير أن وزير الخارجية المصري، سامح شكري، طلب أن يكون تحت مظلة إحدى منظمات المجتمع المدني، لتوكل المهمة إلى مجلس الشؤون الخارجية المصري، وهو منظمة مجتمع مدني تضم دبلوماسيين مصريين متقاعدين، ولم توجه هذه الدعوة من الخارجية المصرية بشكل مباشر.

وفي هذا الإطار، يوضح رئيس حزب "الجمهورية" المعارض، محمد صبرا، والذي تلقى دعوة لحضور لقاء القاهرة ورفضها أنّ "أخطر ما يحدث في القاهرة هو تنصّل الجامعة العربية من قراراتها السابقة ذات الصلة بالملف السوري، مع العلم أن الجامعة العربية تتحمل مسؤولية أخلاقية وقانونية في هذا المجال، ويجب ألا تترك القضية السورية لطرف يحاول تثبيت موقعه الإقليمي على حساب دماء الشعب السوري وتضحياته العظيمة التي قدّمها خلال السنوات الماضية".

ويعرب صبرا في حديث لـ"العربي الجديد" عن خشية المعارضة من "المقاربة المصرية الجديدة لما يحدث في سورية من خلال الصراع السياسي الداخلي في مصر، والذي لا يمت بصلة إلينا من قريب أو بعيد، ولن ننسى أن تسليم الملف السوري للخارجية المصرية كان بقرار أميركي وفي ظل سكوت عربي، سواء من الجامعة العربية أو من الدول الفاعلة"، لافتاً إلى أن "محاولات الدبلوماسية المصرية اختصار الحدث السوري بقصة الإرهاب وتصوير ما يحدث في سورية على أساس أنّه مجرد صراع على السلطة بين نظام ومعارضة، يعد مقاربة خاطئة وخطيرة للوضع السوري، ستقود بالضرورة إلى رفع المسؤولية عن الطغمة الحاكمة التي تسبّبت بتدمير سورية وتحطيم استقلالها وسيادتها لصالح قوى التطرف والإرهاب الطائفي من كل نوع ولاسيما ذاك المدعوم من إيران".

ويبدو أن مخاوف صبرا من طريقة تصوير القاهرة لشكل الصراع السوري، تتقاطع مع توجّس العديد من قوى المعارضة، إذ أكّد المتحدث الرسمي باسم "الائتلاف"، سالم المسلط أن "الحرب على الإرهاب باتت أمراً واقعاً لا مجال لتجاهله، غير أنّ أي موقف يحاول الخلط ما بين الثورة السورية وأهدافها وتطلعاتها، وبين تلك التنظيمات التي رعاها نظام بشار الأسد وأفسح لها مجالات التمدّد والتمكّن، هو موقف غير متوازن ولا يمكن أن يساهم بأي شكل في إيجاد حلّ يرضي الشعب السوري".

ويعكس أسلوب الدبلوماسية المصرية تحولاً إقليمياً ودولياً في التعاطي مع الملف السوري، إذ إنّ موقف الجامعة العربية والدول العربية قد بدأ بالتحول التدريجي تجاه ما يحدث في سورية في الفترة الأخيرة، بحيث كان العنوان العريض "لا شرعية لنظام الرئيس بشار الأسد"، وتجلّى هذا العنوان بصدور قرار الجامعة العربية في مارس/آذار 2013، والذي  يعترف بـ"الائتلاف" ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب السوري، وقرّر تسليم مقعد سورية في الجامعة للمعارضة.


في المقابل، فإنّ أحداث اليوم تبيّن تحولاً واضحاً في مواقف الجامعة العربية والدول الفاعلة في القضية السورية، ويمكن قراءة بداية هذا التحول من تصريحات وزير الخارجية السعودي، سعود الفيصل، على هامش مؤتمر بروكسل الشهر الماضي إذ قال إنه "لا بديل عن الجيش النظامي والجيش الحر لهزيمة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) على الأرض". ولعلّ هذا قد يكون عنواناً للمرحلة المقبلة عربياً، وهو محاولة الفصل بين بشار والنظام السوري.

ولئن بدا لقاء القاهرة بغرض دعم الحوار السوري ـ السوري، غير أن الأمر لا يخلو من بعض جس النبض من الجانب المصري، باتجاه موضوع التفاوض مع النظام، بل وأوكلت المهمة إلى جهاز المخابرات المصري، إذ كشف مصدر سياسي سوري، فضل عدم نشر اسمه، لـ"العربي الجديد"، عن قيام قيادات في جهاز المخابرات المصري بإجراء اتصالات مع قيادات سياسية وأمنية داخل نظام بشار الأسد، في محاولة للتوصل إلى حلّ سياسي للأزمة السورية.

وبحسب مراقبين، فإن التحرك المصري المدعوم خليجياً باتجاه إيجاد مخرج للأزمة السورية مدفوع بحركة التطورات التي تشهدها المنطقة والتمدّد الإيراني، من اليمن إلى لبنان، إضافة إلى التواجد العسكري الإيراني في كل من سورية والعراق، وإعادة تطوير علاقة طهران مع حركة "حماس" في قطاع غزّة.

في المقابل، يعدّ لقاء القاهرة وما يتضمّنه من رسائل عن تولّي مصر إدارة الملف السوري بالتزامن مع التحرك الروسي لعقد مؤتمر موسكو، إشارة واضحة إلى أن القضية السورية لم تعد من أولويات المجتمع الدولي وتحديداً أوروبا والولايات المتحدة، وهو ما يظهر في صمتها إزاء التحرّكات الروسية الأخيرة، أو لقاء القاهرة التشاوري، فلم يصدر أي تعليق أميركي أو أوروبي على كل تلك التحركات.