المعارضة السورية أمام معركة وجودية في جوبر

16 أكتوبر 2014
قوات النظام تحاصر حي جوبر (فرانس برس)
+ الخط -

تعيش المعارضة السورية المسلّحة، هذه الفترة، أشدّ أيامها سوءاً، منذ انطلاق الثورة عام 2011، إذ تمثل الحملة العسكرية للقوات النظامية المستمرة منذ أشهر عدّة على حي جوبر شرقي العاصمة دمشق، خطراً يهدّد كينونتها في تلك المنطقة بصفة خاصة، والغوطة الشرقية بصفة عامة، في ظل نشوة الأخيرة بالانتصارات التي حققتها، عبر استعادة السيطرة، أخيراً، على كل من حي الدخانية وبلدات عدرا البلد وعدرا الجديدة وعدرا الصناعية، إضافة إلى بلدة المليحة قبل شهرين ونصف الشهر.

وشكّل البيان الذي أصدره المكتب الإعلامي لحي جوبر قبل أربعة أيام، والذي ناشد من خلاله مقاتلي المعارضة المسلّحة في الغوطة الشرقية بريف دمشق، عدم ترك جبهة القتال في لحظات قال إنّها "الأصعب"، بمثابة إطلاق رصاصة الرحمة على الوضع الراهن للمقاتلين في ريف العاصمة الشرقي، على الرغم من الصدى الذي أحدثه البيان، بعد قرار عدد من الفصائل العسكرية بالاتجاه إلى جوبر، أبرزها "لواء فسطاط المسلمين"، الذي عرض تسجيلاً مصوراً على موقع "يوتيوب" لعدد من الحافلات تحمل مقاتلين، قال إنّهم "متجهون إلى مقاتلة النظام هناك".

ويصبّ في السياق نفسه، حديث المنسق العام "للتجمع الوطني لقوى الثورة" في الغوطة الشرقية، نزار الصمادي، عن الانتكاسات الحاصلة على جبهات القتال، والنابعة من عدم وجود استراتيجية للثورة، وغياب القيادات الحقيقية، وأهل الاختصاص، وتسلّط رجال الدين وتمسكهم بالقيادة.

وتمكّن جيش النظام، مدعوماً بحملة إعلامية من وسائل الإعلام الرّسمية، وصفحات موالية له استبقت تقدّمه، من السيطرة على منطقة طيبة التي تدمر معظم أجزائها بفعل القصف الجوي والصاروخي العنيف، ولكونها تحوي بيوتاً عربية ومتباعدة، إذ إن الأبنية الكثيرة غالباً ما تعيق تقدم النظام، على عكس مدينة المليحة مثلاً، والتي تحوي مساحات زراعية تساعد قوات النظام على الالتفاف والمناورة.

ووصلت المعارك المحتدمة في جوبر بين جيش النظام وكتائب المعارضة، وأبرزها "الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام"، و"جيش الإسلام"، إلى منطقة التربة القريبة من طيبة، ومنطقة المناشر، والتي استخدم فيها النظام قبل نحو شهر غاز "الكلور" السام، بعد عجزه في عدد من المرات السابقة اقتحامها، ووصلت نسبة سيطرته حتى الآن إلى نحو 25 في المائة، بعدما كان قبل أيام لا يتجاوز عشرة في المائة من مساحة المنطقة.

واستخدم النّظام السوري غاز "الكلور" في جوبر، في ذكرى "مجزرة الكيماوي"، التي راح ضحيتها أكثر من 1400 مدني، معظمهم من النساء والأطفال، وكان نصيب جوبر منهم نحو 400 قتيل، بما يشير إلى أنّه يدرك أن الحي يشكل حالة رمزية للمعارضة، فضلاً عن كونه مفتاح دمشق.

ويتّضح من التعزيزات العسكرية لقوات النظام، من آليات ومدرعات دخلت إلى المنطقة الصناعية في حي القابون، والحشود العسكرية في ملعب العباسيين، والعربات التابعة لفرع الاستخبارات الجوية، فضلاً عن الغارات الجوية التي لم تهدأ منذ نحو شهرين، أنّه يعدّ العدة هذه المرة للسيطرة كاملاً على الحي الواقع على بعد أقل من كيلومتر واحد عن ساحة العباسيين، والذي يمثل له البوابة إلى الغوطة الشرقية، ويقضي على طموحات المعارضة في الدخول إلى قلب دمشق.

ويمكن الاستدلال على ذلك أيضاً، من لجوء النظام إلى استخدام أسلحة جديدة ضد مقاتلي المعارضة في حي جوبر، أبرزها السلاح الروسي "أو أر ـ 77"، الذي يتمتع بقدرة تدميرية عالية، ويعتمد على شحنة مدفوعة بواسطة مقذوف صاروخي، تحوي ثلاثة صواريخ على منصة الإطلاق، ويصل مدى الصاروخ إلى نحو 500 متر، ويمكن أن يُسوي منطقة بعرض 6 أمتار، وطول يمتد حتى 90 متراً بالأرض.

كما يتبيّن أنّ لدى النظام نيّة في الذهاب بعيداً هذه المرّة، في ظلّ الأنباء التي تشير إلى إحكام سيطرته على منطقة وادي عين ترما القريبة من حي الدخانية إلى الشمال، والتي تعتبر أحد أبرز معاقل قوات المعارضة، ويحاصرها جيش النظام منذ نحو عام ونصف العام، بينما نجح من خلال سيطرته على مناطق عدرا مجتمعة، من تضييق الخناق على المعارضة من الجهة الشمالية باتجاه منطقة القلمون، والجهة الغربية عبر سد منافذ الدخول إلى العاصمة.

وبالنظر إلى السياسة الأخيرة، والحصار المفروض على الغوطة الشرقية منذ نحو عامين، لا يبدو في المقابل أن لدى المعارضة المسلّحة التي عملت خلال الفترة الأخيرة على استنزاف النظام عبر فتح جبهات كثيرة ضده بهدف شل حركته، الكثير من الحلول، باستثناء معركة أخرى هنا أو هناك على غرار الدخانية.

ما يعني أنّها أمام خطر حقيقي يفرض عليها مراجعة حساباتها، في ظل عدم التعويل على المعارضة السياسية المشغولة بخلافاتها واختيار قيادة جديدة لرئاسة الحكومة المؤقتة، وانشغال المجتمع الدولي في معارك عين العرب شمال شرقي محافظة حلب، لتبقى التساؤلات التي جاءت بصيغة الانتقادات، والتي وجهها المتحدث باسم لواء "فسطاط المسلمين"، مهيار الشامي، لقيادة أركان "الجيش الحر"، عن "ماذا تنتظر لإنقاذ الغوطة الشرقية، والإهمال لجبهة العاصمة وبوابتها، في ظل وقف الدعم والوضع المزري طبياً وإغاثياً وعسكرياً رهاناً على إنقاذ ما يمكن إنقاذه؟".
دلالات
المساهمون