تتمسّك المعارضة السودانية باستمرار اعتصامها أمام مقر قيادة الجيش في العاصمة الخرطوم، والذي بات من أهم الأوراق في يدها التي سعى المجلس العسكري لضربها عبر الحديث عن أن الاعتصامات تعرقل حركة السير والقطارات ونقل المواد الغذائية للولايات، فيما تعرّض المعتصمون لأكثر من هجوم لفضّ اعتصامهم سقط فيها العديد من الضحايا. ولسحب أي مبررات أمام العسكر، أعاد المعتصمون حصر انتشارهم أمام مقر قيادة الجيش في الخرطوم، تلبية لنداءات أطلقتها "قوى الحرية والتغيير" لإزالة ما يراه المجلس العسكري عقباتٍ تحول دون إكمال التوافقات بشأن تسليم السلطة للمدنيين في مرحلة ما بعد الرئيس المخلوع عمر البشير. مع ذلك، ترفض المعارضة أي تراجع، بل تهدد بالعصيان المدني وتصعيد تحركاتها في حال تراجع المجلس العسكري عن تعهّداته بتسليم السلطة للمدنيين. وبصورة أحادية، أعلن رئيس المجلس العسكري عبد الفتاح البرهان، يوم الأربعاء الماضي، وقف المفاوضات مع "قوى الحرية والتغيير" لمدة 72 ساعة، احتجاجاً على ما أسماه التصعيد غير المبرر من قبل المعارضة. ولخّص البرهان الاعتراضات ضد المتظاهرين والمعارضة، باستفزاز واستعداء العناصر الأمنية، والسماح باندساس مسلحين في أوساط المعتصمين، وإغلاق طرق مرور رئيسية، إلى جانب إعاقة حركة القطارات الواصلة بين موانئ التصدير في البحر الأحمر وبقية ولايات السودان. ولقي سبعة من المعتصمين وضابطٍ في القوات المسلحة، مصرعهم، إثر هجماتٍ شنتها قوات عسكرية على حُماة "المتاريس" في نقاط بعيدة نسبياً عن مقر الاعتصام أمام مقر قيادة الجيش.
وبالنسبة للأوضاع في محيط الاعتصام راهناً، أكد المتحدث باسم "تجمع المهنيين السودانيين" أحمد الربيع، عودة الاعتصام إلى حدوده الجغرافية المعروفة يوم انطلاقته في 6 إبريل/نيسان الماضي، مع الحرص على السلمية باعتبارها أهم مقومات الثورة، إلى جانب ضبط النفس إزاء استفزازات العناصر الأمنية. وقال الربيع لـ"العربي الجديد"، إن "الاعتصام حالياً محصور أمام دار الشرطة شرقاً، وحتى الشارع المار شرق وزارة الصحة الاتحادية غرباً وتقاطعاته مع شارع النيل، ومن تقاطع طلمبة النحلة جنوباً وإلى شارع النيل شمالاً". وتقع قيادة الجيش في قلب العاصمة الخرطوم، وتوصل شوارعها إلى جسور رئيسة تربط مدن العاصمة الثلاث الخرطوم، وبحري، وأم درمان.
وأكد الربيع أنهم حرصوا حتى قبل إذاعة بيان البرهان، على إزالة المتاريس خارج رقعة الاعتصام لضمان سهولة الحركة، ولضمان وصول المواكب والمواد الغذائية إلى ساحة الاعتصام، مع الإبقاء على المتاريس المحيطة بالاعتصام لضمان سلامة المعتصمين "من هجمات القوى المعادية للثورة". وأضاف: "لم يكن الاعتصام يوماً معيقاً للحركة أو انسياب السلع والخدمات"، مبدياً استغرابه من إقدام المجلس على تعليق المفاوضات، وربط ذلك بإزالة "المتاريس"، في وقتٍ ارتضت المعارضة الجلوس مع قادة المجلس العسكري بعد ساعاتٍ فقط من حوادث قنص المعتصمين عند "المتاريس". وقال: "ذلك السلوك ينم عن تعرض المجلس لضغوط من قبل جهة (لم يذكرها) ولا تريد إكمال عملية تسليم السلطة للمدنيين".
وبالنسبة للمفاوضات لنقل السلطة، ألقى الربيع باللائمة على المجلس العسكري في إطالة أمد التفاوض، وتوعّد باستمرار التصعيد الثوري وصولاً إلى الإضراب السياسي والعصيان المدني الشامل، في حال ظهر تراجع المجلس عن تعهداته السابقة بتسليم السلطة للمدنيين. وتوافقت قوى المعارضة والمجلس العسكري، منتصف الأسبوع، على هياكل السلطة المدنية، في أعقاب مفاوضات مضنية دامت لأكثر من شهر، فيما لا تزال بعض النقاط مؤجلة لجولة أخرى. وكانت حركة المرور في العاصمة السودانية بشكل طبيعي، يوم أمس الجمعة، بعد فتح الشوارع الرئيسية، إلى جانب التزام الثوار بوقف التظاهرات الليلية وإغلاق الطرق في أحياء الخرطوم.
وقال الناشط في الحراك، محمد مالك، لـ "العربي الجديد" إن مظاهر الثورة تنحصر حالياً في محيط الاعتصام، وليس هناك أي مظاهر للتصعيد خارج جغرافية المكان، التزاماً بالتوجهات التي أصدرها "تجمع المهنيين السودانيين"، مؤكداً "وصول عدة مواكب سلمية مناصرة للثوار، من مختلف أحياء العاصمة". وكشف عن تلقيهم اتصالات من الولايات لتسيير مواكب جديدة لمقر الاعتصام، لإنهاء مماطلات المجلس العسكري في تسليم السلطة.
وحثَّ مالك الأهالي على التقاطر إلى ميدان الاعتصام فيما تبقى من عمر المهلة التي وضعها المجلس العسكري قبل إعادة التفاوض، "وذلك لقطع الطريق أمام جهاتٍ خارجية تريد تكرار السيناريو المصري للإبقاء على البرهان بدعوى تحول الاعتصام إلى مهددٍ أمني". وقدَّر مالك المعتصمين في محيط القيادة حالياً بمئات الآلاف، وقال إن محاولات فض الاعتصام المتكررة تُكسبهم عملياً مزيداً من الزخم والمناصرين الوافدين لحراسة مكتسبات الثورة. من جهته، قال أستاذ العلوم السياسية، عبد اللطيف محمد سعيد، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "إطالة أمد التفاوض بين قوى المعارضة والمجلس العسكري، تشي بغياب الرؤية الاستراتيجية لدى الطرفين". وأضاف: "ذلك يترتب عليه استمرار الاعتصام القائم في منطقة استراتيجية، ما يشكل خطراً أمنياً في ظل تربص عدة جهات وإرادات خارجية وداخلية بالبلاد".