المطيّرجي..الطيور المهاجرة تحمل لقمة العيش للعراقيين

12 يونيو 2015
السماء توفر ما لا توفره الأرض في العراق(فرانس برس)
+ الخط -
"لا يوجد محروم من رزق الله"، هكذا دأب من حوله على حثه على العمل لإيجاد مصدر مالي يقيه وأهله الفقر والجوع، ليقرر بعد ذلك الاستفادة من منح التنوع الجغرافي والمناخي في العراق.
فقد وجد الشاب أحمد عبد القادر أخيرا، ميزة كبيرة في بلاده التي صارت بفضل موقعها، إحدى أبرز المحطات الطبيعية للطيور المهاجرة من روسيا وإيران ودول شرق آسيا الأخرى بمواسم الهجرة السنوية، ما جعل العراق زاخرا بأنواع نادرة واصناف مميزة من الطيور.
هذه الميزة دفعت عبد القادر، وغيره من آلاف العاطلين عن العمل من شريحة الشباب، إلى امتهان صيد الطيور وبيعها أو تربيتها وتكثيرها وجني أرباح طائلة من هذه التجارة التي حجزت لنفسها مساحة كبيرة في الآونة الأخيرة في السوق العراقية.
ومهنة مربي الطيور، كما يقول عبد القادر لـ "العربي الجديد"، قديمة في العراق، إلا أنها كانت مرفوضة اجتماعيا ويلصق بصاحبها صفات الجهل أو الأميّة وبعضهم بسوء الأخلاق، لأن عمله يستلزم وجوده على سطح منزله لساعات يوميا، وهو ما يزعج الجيران، ما دفع بالمحاكم العراقية قبل الاحتلال الأميركي في 2003، إلى رفض شهادة أصحاب هذه المهنة. حتى أن العوائل لم تكن تزوج بناتها ممن يعرفون محلياً بـ "المطيّرجي"، أي مربي الطيور.
لكن مع الأزمة التي عرفها العراق بعد الاحتلال الأميركي، جعلت إقبال الشباب على مهنة تربية الطيور، أمراً اعتيادياً، خاصة أن بعض الطيور النادرة يدر على أصحابه من التجار ما يصل إلى 10 آلاف دولار في الطائر الواحد. فهي تجارة تحمل الثراء في بلد يزيد معدل الفقراء فيه على 35% من المواطنين.
ويقدر عدد الشباب الذين ولجوا هذا المجال نحو 50 ألفا في مختلف مدن العراق، ولهم تسعة أسواق تعرف بسوق الغزل أو الطيور أو الجمعة.
ويقول الثلاثيني، عبد القادر: "اصطياد الطيور، يوفر لنا دخلاً مادياً جيداً، إن لم يكن كبيراً، وهي مهنة المضطر أو المكره أو مهنة من لا مهنة له".
وفكرة هذه المهنة، تقوم على وضع الفخاخ في المناطق الصحراوية التي تكثر بها الطيور، وكذلك في المناطق التي تكثر فيها البساتين. ويجني العاملون بالمهنة أكثر أرباحهم في فصل الصيف، فهو موسم الهجرة والحصاد، وفق عبد القادر.
وأغلب أنواع الطيور التي يصطادها "المطيرجي"، النسور والصقور وطائر السنونو (يعرف في العراق باسم طائر السند والهند".
ولا تخلو مهنة "المطيرجي" من المخاطر، فمجرد هجرته نحو الصحراء يثير المخاوف، كما أنها لا تخلو أيضا من التعرض للابتزاز. ويقول عبد القادر: "عملية نقل الطيور تتم بصعوبة وحذر، فعناصر الجيش والشرطة يساوموننا على لقمة عيشنا ويجبروننا على دفع المال حتى نعبر نقاط التفتيش، ولهذا نحن نسلك طرقا غير معروفة نصل من خلالها للمدينة، وفي هذا مخاطرة كبيرة في ظل توتر الأوضاع الأمنية في العراق".

اقرأ أيضا: الكساد يعطل سوق السيارات في العراق

وبلهجة الخبير، يقول عبدالقادر: "ليست كل أماكن الصحراء صالحة للصيد. عليك اختيار منطقة تقع ضمن خط سير الطيور المهاجرة، وقبل أن تفرد الفخاخ والِشراك، عليك بنثر بعض الحنطة والشعير ليطمئن الطير إلى المكان".
ويقول إن معدل ما يصطاده في موسم الصيف يتراوح بين 30 إلى 50 طائرا في كل رحلة. أما ما دون الصيف فإن معدل الصيد لا يتجاوز بأي حال الـ 20 طائرا في الرحلة.
ولا يتعجل عبد القادر في بيع الطائر الصغير، إذ يقوم بتربيته ورعايته حتى يكبر، بعدها تتم عملية بيعه. لكن هذه الطريقة لا تتم مع أنثى الطيور النادرة، فهي كنز متجدد بفضل ما تنتجه.
وعن أكثر الناس شراء للطيور من عبد القادر، يقول "هناك هواة وتجارة يشترون منا، قسم منهم للزينة والآخر ينقل الطيور للخليج لبيعها بأسعار باهظة".
أما الشاب محمود علي (32 عاماً) وهو أحد ممتهني تلك الحرفة، فقد كان أكثر دقة في ما يتعلق بحجم دخل من صيد الطيور. فقال لـ "العربي الجديد": إن دخله يتراوح بين ألفي إلى ثلاثة آلاف دولار أميركي شهريا في موسم الهجرة، وهذه مدخولات لا تشمل بالطبع الصفقات الكبيرة التي تنتج بفضل اصطياد طيور نادرة، فتلك طيور تتجاوز قيمتها ما يجنيه في موسم بأكمله.
وأوضح علي أن أكثر المطيرجية هم من حملة الشهادات العليا من الشباب، لكن عدم انتمائهم لأحزاب سياسية تدافع عن مصالحهم، وتسيّر لهم الأمور في دوائر الدولة، حال بينهم وبين الحصول على وظيفة حكومية.
وتحدث علي، عن نوع آخر من اصطياد الطيور الصغيرة، "فممتهنو هذا النوع من الصيد لا يتربصون إلا بطائر البلبل، وهو يكثر في البساتين التي تنتشر على أطراف العاصمة بغداد". ويقول على إن البلبل ينتشر في المواقع التي يزيد فيها النخيل، ويدر على صاحبه ربحا يزيد على 130 ألف دينار (100 دولار أميركي) للطائر الواحد. وهذا ثمن كبير بالنظر إلى ما يصطاده علي، فهو يؤكد أن متوسط حصاده اليومي في موسم التمر يزيد على 15 طائرا يوميا.

اقرأ أيضا: العراق يعيد التحقيق في عقود الدفاع والداخلية والتجارة
المساهمون