المصريون ضحايا معركة "الياميش" بين المركزي والتجار

08 يوليو 2015
الياميش من المواد الغذائية الرمضانية الأساسية في مصر(فرانس برس/Getty)
+ الخط -
اندلعت حربٌ حاميةٌ بين المصرف المركزي المصري ولوبي المستوردين والتجار حول استيراد "ياميش رمضان" هذا العام، دفع ثمنها المواطن المصري بمُفرده. والياميش عبارة عن المكسرات والحلويات من الفواكه المجففة، يزداد الطلب عليها في شهر رمضان. وفي محاولةٍ للسيطرة على نزيف الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية، امتنع المصرف المركزي عن فتح اعتمادات مالية لتمويل استيراد الياميش من الخارج. غير أن مُحاولة المركزي باءت بالفشل أمام نفوذ التجار، إذ تمكنوا من إدخال الياميش للبلاد هذا العام، لكن في المقابل حصل ارتفاع أسعار كافة مُنتجات الياميش بمعدلات تتراوح بين 20% إلى 40%.


الصراع الدائر بين المركزي المصري من جانب والمستوردين والتُجار من جانب آخر يحمل بين طياته العديد من الدلالات، في مُقدمتها سعي المصرف المركزي إلى إعادة رسم خريطة السلع المسموح بدخولها إلى مصر، وفي المُقابل تحديد السلع المحظورة التي تندرج تحت بند السلع الترفيهية أو غير الاستراتيجية. وهو ما يُعبر عنه الخبير المصرفي محمود إبراهيم بقوله: "المصرف المركزي في موقف صعب، فحجم استيراد البلاد من السلع والمعدات وصل إلى 60 مليار دولار في العام، في حين لم تنشط حركة السياحة أو الاستثمارات الأجنبية بالقدر الكافي".

كما "رصد المصرف المركزي 400 مليون دولار لاستيراد السلع الأساسية من اللحوم والدواجن والأسماك والحبوب والزيوت والألبان، وفي المُقابل أغلق الباب أمام توفير أي مُخصصات مالية لاستيراد سلع ترفيهية هذا العام مثل فوانيس رمضان أو الياميش" حسب إبراهيم.

ويلقى توجه المصرف المركزي تأييد الخبير المصرفي، إذ يعتبر أن مصر تمر بمرحلة حرجة تقتضي تنازل التاجر والمواطن عن السلع الكمالية. ولكنه يرى أن عدم إطلاق الحكومة حملات توعية حول ضرورة الإحجام عن شراء ياميش رمضان أدى إلى عدم نجاح سياسة البنك المركزي في وقف دخول هذه السلع.

ويتزامن هذا التوجه الجديد للمصرف المركزي مع انخفاض الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية بواقع مليار دولار بنهاية شهر مايو/ أيار، ليتراجع إلى 19.5 مليار دولار، على الرغم من الحصول على مساعدات خليجية بقيمة 6 مليارات دولار قبل شهرين.

وفي المُقابل دفع فشل المصرف المركزي في منع استيراد الياميش المحافظ، هشام رامز، إلى دعوة المواطنين صراحة إلى الإحجام عن الشراء بدعوى مغالاة التجار في الأسعار واستغلالهم احتياجات الناس.


هذه الرسالة لا يمُكن فهمها على النحو الذي أعلنه مُحافظ المصرف المركزي، فهي لها أبعاد اقتصادية أخرى، حسب الخبير الاقتصادي، هاني محمود، الذي يرى أن سياسات المركزي تُنذر بمرحلة تقشف قادمة قريباً جداً.
ويؤكد محمود أن هناك مؤشرات واقعية على التوجه التقشّفي المُرتقب، والتي تتقلص معها قدرة المواطن على شراء سلع مُتعددة كما كان في السابق. ولعل أبرز هذه المؤشرات هو الإلغاء التدريجي لدعم الطاقة والبنزين، مما أدى لارتفاع الأسعار، بالتزامن مع انخفاض سعر الجنيه مقابل الدولار الأميركي، الأمر الذي انعكس في زيادة أسعار السلع المستوردة، سواء كانت أطعمة أو ملابس.

ويُشير الخبير الاقتصادي إلى أنه وسط ارتفاع الأسعار، هناك ضغوط أخرى تتمثل في اتساع فجوة العجز في الموازنة العامة حتى قاربت على الوصول إلى 240 مليار جنيه (31 مليار دولار)، أي أن هناك موجة أخرى من زيادة الأسعار وتقليص استيراد السلع غير الأساسية.

ويبدو أن حديث الخبير الاقتصادي صائب إلى حدٍ كبير. فحسب تصريحات صحافية لمسؤولين بشعبة العطار في الغرف التجارية، فإنه على الرغم من انخفاض حجم استيراد الياميش إلى 20 مليون دولار هذا العام مقابل 50 مليون دولار رمضان الماضي، إلا أن حجم الإقبال على الشراء ضعيف.

اقرأ أيضا: السلع المصرية تنهار أمام الغزو الصيني

كما أظهرت المعركة الدائرة، بين البنك المركزي والتجاري، أن الأخير هو الطرف الأقوى في كُل المُعادلات، إذ نجح في تدبير النقد الأجنبي لاستيراد الياميش، بل وإدخاله دون عقبات ليُضرب بخطط البنك المركزي عرض الحائط، الأمر الذي دفع محافظ المركزي إلى التساؤل حول دور الجمارك في تمرير هذه السلع.

ويعلق على هذا الأمر الخبير المصرفي، محمد فؤاد، قائلاً:"التجار ما زالوا يسيطرون على السوق السوداء للعملات الأجنبية، فشراء مستلزمات رمضان تم عبر طريقتين، الأولى تهريب الدولار إلى الخارج، والطريقة الثانية تحويل مخصصات شراء هذه السلع بالجنيه المصري، ثم مُبادلتها بالدولار في الخارج".
دلالات
المساهمون