المصالحة الفلسطينية في خطر
استبشرنا خيراً عندما تم الإعلان عن مصالحة بين حركتي فتح وحماس، وإعلان تشكيل حكومة توافقية من التكنوقراط، وسعدنا بمواقف "حماس" التي فضلت الوحدة على الانفصال، وقدمت تنازلات جوهرية، وأصبحنا نهتف تحيا فلسطين، وكنا ننتظر الخطوة التي تتوج هذه المصالحة، بانتقال الرئيس محمود عباس فوراً إلى غزة، إعلاناً أن صفحة جديدة فتحت بين قيادتي الحركتين، لكن عباس لم يفعل ما كان واجباً أن يبادر إليه تجاه الشعب الفلسطيني عامة، وأهل غزة خصوصاً، لم يفت الوقت بعد لننتظر تلك الخطوة الرئاسية تجاه غزة.
( 2 )
لم يجف حبر المصالحة المعنية، حتى تناقلت وكالات الأنباء العربية والأجنبية وقوع اشتباكات على أبواب البنوك في غزة، لأن حكومة رام الله السابقة (فتح) كانت تصرف مرتبات شهرية لموظفي السلطة الوطنية في غزة، من دون أن يؤدوا أعمالاً نظير تلك المرتبات طوال زمن القطيعة بين قيادتي "حماس" و"فتح"، ولما كان موظفون في قطاع غزة قد منعوا من أداء مهامهم الوظيفية (أطباء، مهندسون، معلمون، قضاة، قوات أمن، موظفو خدمات بلدية.... إلخ، بموجب أوامر صدرت من الرئيس محمود عباس بأن يستمروا في استلام مخصصاتهم الشهرية. كان على حكومة إسماعيل هنية المكلفة من الرئيس عباس، لأن "حزب حماس" فاز في الانتخابات، فطبقت القواعد السياسية، أن على الحزب الفائز في الانتخابات أن بشكل حكومة، وهذا ما جرى. لكن محمود عباس ورهطه لم يقبلوا تلك النتيجة، وكان على حكومة هنية توظيف كوادر لإدارة القطاع، وهذا ما فعلوه. ويفاجأ الجميع، بعد توقيع المصالحة، بأقل من عشرة أيام، بأن رام الله تصرف مرتبات الموظفين التابعين لها، ولم يكونوا يؤدون أي مهام في غزة، والامتناع عن صرفها للموظفين العاملين في غزة تحت إدارة إسماعيل هنية. هنا، حدث ما حدث من اشتباكات على أبواب البنوك، ولهذا أغلقت البنوك أبوابها، لكيلا تتوسع تلك الاشتباكات.
(3)
المعروف في علم السياسة أنه إذا اتحدت دولتان، فإن على الدولة الاتحادية الجديدة أن تتحمل جميع ما كان طرفاها ملتزمين به تجاه الداخل والخارج، بما في ذلك الديون، وتنفيذ الاتفاقيات والمعاهدات التي كانت سارية قبل الاتحاد، والأمثلة على ذلك كثيرة. إذن، ما جرى في غزة ليس بين دولتين، وإنما بين تنظيمين سياسيين، اختلفا واتفقا، "حماس" و"فتح"، فواجب الحكومة الجديدة أن تتحمل أعباء موظفي وخدمات قطاع غزة من دون تباطؤ.
مهمة حكومة المصالحة، في أولى خطواتها، توحيد المؤسسات، لا تكريس القطيعة والانقسام. ويجب أن يدرك، كل من له رأي، في هذا الشأن، وكل حريص على الوحدة الوطنية الفلسطينية، أن حكومة التوافق الوطني، برئاسة رامي الحمد الله، هي حكومة بديلة عن حكومتي رام الله وغزة قبل المصالحة، وليست استمراراً لحكومة رام الله. وأي مصالحة بين الأطراف الفلسطينية المختلفة لا تمس المواطن الفلسطيني بالخير، وتؤكد له أنها تشكلت من أجل المحافظة على أمنه واستقراره، وتحقيق العدالة الاجتماعية بلا تمييز بين مواطني غزة والضفة الغربية، لا نفع فيها، وزوالها خير من استمرارها.
( 4 )
يؤسفني القول إن المتحدث باسم الأجهزة الامنية في الضفة الغربية، اللواء عدنان الضميري، لم يكن موفقاً في مؤتمره الصحفي عن الأحداث التي وقعت في قطاع غزة في الأمس القريب. كلماته التي استخدمها في المؤتمر تشبه كلمات المتحدث الصهيوني عندما يتحدث عن الفلسطينيين. إن قول اللواء المذكور "عصابات البلطجية في حماس يمنعون الموظفين من استلام مرتباتهم " قول منكر، ولماذا، يا سيادة اللواء، لا تقول الحقيقة، وتنتقد حكومة التوافق الوطني، برئاسة الحمد الله الذي ميز بين الموظفين في غزة، أي أنه ما برح يعيش في زمن الانقسام، ولماذا لا تدعو الحكومة في رام الله بسرعة إلى دفع مرتبات من ورثتهم من الموظفين، ولهم حقوق على الحكومة في غزة. لا يجوز لفلسطيني، أياً كانت درجته، أن ينعت الفلسطينيين، وخصوصاً الذين منهم تحت السلاح من أجل الوطن، "بالبلطجية". يا سيادة اللواء عدنان، ما قلته يعد جريمة وطنية كبرى، يعاقب عليها القانون. قل خيراً يا أخي، أو اصمت.
( 5 )
شكراً قطر، شعباً وقيادة، على ما تفعلون تجاه الشعب الفلسطيني من خير، سياسياً ومالياً. سمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ما أن سمع بأزمة موظفي قطاع غزة بعدم تسلم مرتباتهم الشهرية من حكومة التوافق الوطني، ولما كان سموه قائد المصالحة، كما يقول الشرفاء من الفلسطينيين، سارع بالاتصال بالقيادات الفلسطينية، معلناً عزمه على حل تلك الأزمة فوراً، وعدم العودة إلى ما كان عليه الوضع قبل المصالحة.
السؤال المثار اليوم هو، أين الدول العربية، وخصوصاً الخليجية القادرة على مساعدة حكومة التوافق الجديدة، ومدّها بالمال، لتخرج من أزمتها المالية، وإيجاد طريقة عملية تكفي حكومة التوافق الوطني الفلسطيني التسول والاستجداء، على مدار العام؟ أين أغنياء العرب الذين أنعم الله عليهم بالمال الوفير عن مدد إخوانهم الفلسطينيين مالياً، كما يفعل أغنياء اليهود لإسرائيل عبر العالم.
آخر القول: على السلطة الفلسطينية القضاء على الفساد والمفسدين، وتخفيض مخصصات القيادات العليا الفلسطينية، لصالح الوطن والمواطن.