المسحّراتي يقاوم المنبّهات والهواتف الذكية في غزّة

08 يوليو 2014
تصوير: عبد الحكيم أبو رياش
+ الخط -
ما عاد أحد ينتظر المسحّراتي، لا في غزّة ولا في غيرها. المنبّهات والهواتف الذكية المجهّزة بساعات ذكية حلّت محلّه. لكنّ عبد الله الغندور لا يريد التوقّف عن الدقّ على الطبلة. تلك العادة التي لازمته منذ كان طفلاً صغيراً لا يزيد عمره عن 10 سنوات، يصطحبه والده، المسحّراتي الأصلي، معه في ليالي رمضان.
هكذا، قبيل آذان الفجر، يستيقظ قبل الساعة الثانية، يلفّ رأسه بالكوفية الفلسطينية، يلبس سرواله الأسود وقميصه اللامع، يتناول السحور ويشرب القهوة والماء، ثم يعدّ أدواته ويخرج إلى ناصية الطريق ينتظر صديقه حمادة: مهنة شاقّة بالتأكيد، لكنّني اعتدتها منذ 20 عاماً، وسأعلّمها لابني رامي حين يكبر.
يجوب عبد الله شوارع منطقة النصر في غزّة، إخلاصاً لمهنة والده. يهلّل ويكبّر ويطبّل ليوقظ النائمين. ويجد في مهنته "متعة" لأنّها "مهنة رمضانية تراثية"، على ما يقول في حديث لـ"العربي الجديد". هو أحد القلائل الذين فهموا أنّها في طريقها إلى التحوّل من ضرورة اجتماعية إلى مهنة تراثية يحبّها الناس وتذكّرهم بالماضي. 
يتميّز كلّ مسحّراتي بنغمته الخاصة وابتهالاته وطريقته في التطبيل. وتختلف عبارات عبد الله بين "يا نايم وحّد مولاك، اللي خلقك ما بينساك"، و"يا نايم اذكر الله، يا نايم وحّد الله". كذلك يستمتع صديقه حمادة الإسي بالطواف بين البيوت مردّداً الابتهالات والأذكار، ويفرح حين يستيقظ الجيران على صوته وصوت صديقه. ويؤكّد أنّهما لا يتلقيان أجراً على هذه المهنة "لكنّ المواطنين، من تلقاء أنفسهم، يقدّمون إلينا ما تجود به أنفسهم صبيحة يوم العيد".
هي بالطبع مهنة غير مجدية اقتصادياً "لكنّني أحبّها وأعتبرها رسالة، خصوصا أنّها مهنة رمضانية، نحسب الأجر في كلّ خطوة نخطوها لإيقاظ مسلم لتناول وجبة السحور المباركة، وانقطاع التيّار الكهربائي بشكل يومي يدفعنا إلى استخدام المصابيح اليدوية في بعض الأحيان لتفقد طريقنا".

مثلهما عائد أبو صفية (48 عاماً). هو من سكّان منطقة حيّ الدرج شرق قطاع غزّة. جهّز طبلته الضخمة "الدُم"، التي يطرق جنبيها بعصا مدببة الرأس، وحقيبته المليئة بالتمر والماء، وانطلق "رافقتني هذه المهنة منذ عشرات السنين، وسأرافقها حتّى ينتهي عمري"، يقول في حديث لـ"العربي الجديد".

وعن سرّ حبّه مهنة التسحير يقول أبو صفية، صاحب الصوت الجهوري الجميل: كنتُ أُطرَبُ لصوت المسحراتي وأنا طفل صغير، وأنتظر شهر رمضان كي أسمع نغماته وابتهالاته، كانت تُدخِل السرور إلى قلبي. ولا شكّ أنّ نغماتي تدخل السرور إلى قلوب الأطفال وذويهم.

ويختم: معاناة شعبنا الفلسطيني لا تتوقّف، تنغّص حياتنا الهموم والكرب نتيجة الحصار والممارسات الإسرائيلية التعسفية، لكن في الوقت ذاته نحن شعبٌ يحبّ الحياة إذا ما استطاع إليها سبيلاً، يستغلّ فرص الفرح، لأنّه يؤمن أنّ أرضه تستحق التضحية، والصمود الذي يقهر المحتلّ.

المساهمون