كان ينبغي على الجميع أن يبكروا في النهوض من الأسرّة الحديدية التي يعلو بعضها البعض، وكان ضيق هذه الأسرّة يفسد النوم، فلا يشعر الواحد منا أنه قد نال حاجته من النوم أصلاً.
عدا ذلك، فقد اعتدنا "غارات ليلية" يقودها قادة وضباط يصلون الليل بالنهار، عادةً بصحبة أباريق المياه الساخنة وكؤوس المتة، والأخيرة من دون شك معينة، خاصة في ليالي البرد والعزلة.
ولم نكن نعلم أول الأمر سبب الغارات الليلية تلك، فقد قيل لنا إنها لاختبار جاهزيتنا العسكرية، كما شاع أنها بغرض التفتيش والتأكد من خلو مهاجع الجنود الجدد من مواد أو أطعمة ممنوعة، لكن آخرين قلة أدركوا أن الغاية كانت مصادرة الموبايلات وبيعها في السوق السوداء، إذ إن وجود موبايل مع أي مجند كان بمثابة جريمة.
لا أعرف، لم أشعر الآن أن ذكريات تلك الليالي تشبه ذكريات المعتقلين والمعرضين للتعذيب، من دون سبب ومن دون جدوى، سوى الإهانة وقتل عزة النفس ومحو الكرامة الإنسانية. لكن ما بقي في ذاكرتي ليس صور التعذيب أو الإهانة، بل تلك الصور والمشاهد التي تبعث على الضحك والقهقهة.
فقد لجأ مجندون أغنياء إلى رشوة الضباط كي يتخلصوا من نوبة الحرس الليلية، أو يحصلوا على إجازات إضافية، أو تقرير طبي يعفيهم من دروس الرياضة الشاقة، التي كانت تتخللها عادة حفلات تعذيب غريبة.
ومن صور الرشوة التي يحظى بها بعض المجندين الأغنياء أن يرافق أحدهم الضابط المناوب أثناء استراحة الظهيرة، فيلتقط العصافير التي اصطادها الضابط عن الأرض، رغم أن الثكنة حيث خدم الكثير منا كانت أقرب إلى صحراء حجرية قاسية مجدبة، إذ لم نجد حولنا سوى بضع شجيرات هنا وهناك.
اقــرأ أيضاً
وكان "المستر كولا" أكثر المحظوظين، إذ بعدما استطاع الوصول إلى جيب الضابط، حصل على وظيفة مريحة تعفيه من كل شيء تقريباً، فلم يعد يضطر للاستيقاظ بعد منتصف الليل، كما أنه أعفي من درس السادسة صباحاً، واكتفى القادة بتسجيل اسمه ضمن "المعوقين" الذين يعانون من مشكلة صحية مزمنة.
وظيفة "المستر كولا" سهلة للغاية، ومريحة جداً، وكنا نحسده في قرارة أنفسنا. إذ كُلّف بلملمة وجمع علب البيبسي والكولا الفارغة، وتلك كانت تباع بضعف السعر من خلال "الندوة" التي يديرها العميد القائد للدورة التدريبية التي تستغرق عادة ستة أشهر.
كنا نلمح المستر كولا من بعيد بكامل لباسه العسكري، يصول ويجول حيث يشاء، فيما كنا نتدرّب أو نركض مجبرين على طريق وعرة، أو نزحف شبه عراة على بطوننا تجاه المطبخ الكبير حيث نُجبر على تناول ثلاث وجبات كل يوم.
عدا ذلك، فقد اعتدنا "غارات ليلية" يقودها قادة وضباط يصلون الليل بالنهار، عادةً بصحبة أباريق المياه الساخنة وكؤوس المتة، والأخيرة من دون شك معينة، خاصة في ليالي البرد والعزلة.
ولم نكن نعلم أول الأمر سبب الغارات الليلية تلك، فقد قيل لنا إنها لاختبار جاهزيتنا العسكرية، كما شاع أنها بغرض التفتيش والتأكد من خلو مهاجع الجنود الجدد من مواد أو أطعمة ممنوعة، لكن آخرين قلة أدركوا أن الغاية كانت مصادرة الموبايلات وبيعها في السوق السوداء، إذ إن وجود موبايل مع أي مجند كان بمثابة جريمة.
لا أعرف، لم أشعر الآن أن ذكريات تلك الليالي تشبه ذكريات المعتقلين والمعرضين للتعذيب، من دون سبب ومن دون جدوى، سوى الإهانة وقتل عزة النفس ومحو الكرامة الإنسانية. لكن ما بقي في ذاكرتي ليس صور التعذيب أو الإهانة، بل تلك الصور والمشاهد التي تبعث على الضحك والقهقهة.
فقد لجأ مجندون أغنياء إلى رشوة الضباط كي يتخلصوا من نوبة الحرس الليلية، أو يحصلوا على إجازات إضافية، أو تقرير طبي يعفيهم من دروس الرياضة الشاقة، التي كانت تتخللها عادة حفلات تعذيب غريبة.
ومن صور الرشوة التي يحظى بها بعض المجندين الأغنياء أن يرافق أحدهم الضابط المناوب أثناء استراحة الظهيرة، فيلتقط العصافير التي اصطادها الضابط عن الأرض، رغم أن الثكنة حيث خدم الكثير منا كانت أقرب إلى صحراء حجرية قاسية مجدبة، إذ لم نجد حولنا سوى بضع شجيرات هنا وهناك.
وكان "المستر كولا" أكثر المحظوظين، إذ بعدما استطاع الوصول إلى جيب الضابط، حصل على وظيفة مريحة تعفيه من كل شيء تقريباً، فلم يعد يضطر للاستيقاظ بعد منتصف الليل، كما أنه أعفي من درس السادسة صباحاً، واكتفى القادة بتسجيل اسمه ضمن "المعوقين" الذين يعانون من مشكلة صحية مزمنة.
وظيفة "المستر كولا" سهلة للغاية، ومريحة جداً، وكنا نحسده في قرارة أنفسنا. إذ كُلّف بلملمة وجمع علب البيبسي والكولا الفارغة، وتلك كانت تباع بضعف السعر من خلال "الندوة" التي يديرها العميد القائد للدورة التدريبية التي تستغرق عادة ستة أشهر.
كنا نلمح المستر كولا من بعيد بكامل لباسه العسكري، يصول ويجول حيث يشاء، فيما كنا نتدرّب أو نركض مجبرين على طريق وعرة، أو نزحف شبه عراة على بطوننا تجاه المطبخ الكبير حيث نُجبر على تناول ثلاث وجبات كل يوم.