المساعي الحكومية السودانية تفشل في كبح الدولار

08 فبراير 2016
ارتفاع أسعار السلع بسبب أزمة الدولار (الأناضول)
+ الخط -
فشلت محاولات الحكومة السودانية في كبح جماح الارتفاع الحاد لسعر الدولار والعملات الأجنبية أمام الجنيه السوداني في السوق السوداء. ولامس سعر الدولار 12 جنيهاً في السوق السوداء، مؤخراً، في ظل توقعات بأن يرتفع إلى 15 جنيهاً خلال ثلاثة أشهر في حال استمرار الأزمة، في حين يبلغ سعره في السوق الرسمية نحو 6.45 جنيهات، ما يعني مزيداً من التأثيرات الخطرة على اقتصاد البلاد ومنها ارتفاع البطالة والفقر، حسب محللين. وأدى النقص الحاد في العملة الأميركية، إلى زيادة أسعار السلع الاستهلاكية والخدمات.
واتخذت الحكومة، مؤخراً، حزمة إجراءات اقتصادية تتصل بتحرير أسعار بعض المحروقات وزيادة الضرائب. ورفعت أسعار غاز الطهو بنحو 300% فزاد سعر أسطوانة الغاز سعة 12.5 كيلو من 25 جنيهاً إلى 75 جنيهاً، فضلاً عن تحرير أسعار وقود الفيرنس (المازوت) ووقود الطائرات، وفتح الباب أمام استيراد تلك السلع للقطاع الخاص.
وقادت أزمة الدولار الدولة للتعامل مع السوق السوداء وإن عمدت ظاهرياً لمحاربته عبر الملاحقات لتجار العملة.
وأكد تجار عملة، لـ "العربي الجديد"، أن الحكومة اضطرت للاعتراف بالسوق السوداء في ظل النقص الحاد في العملات الأجنبية، وأوضح التجار، الذين فضلوا عدم ذكر أسمائهم، أن مسؤولين حكوميين اتفقوا مع بعض التجار الذين تم اعتقالهم في أوقات سابقة بمباشرة العمل مع دفع نسب محددة من الأرباح بشكل غير رسمي للحكومة. وفقد الجنيه السوداني 70% من قيمته خلال العامين الأخيرين، حسب إحصائيات رسمية.
وفي هذا الإطار، أكد المحلل الاقتصادي، محجوب محمد صالح، لـ "العربي الجديد"، على فشل الحكومة في إدارة أزمة النقد الأجنبي. وقال إن معالجتها انطوت على قرارات متناقضة أثرت سلباً على السوق، موضحاً، أن قرار فتح باب الاستيراد بدون تحويل قيمتها، أدى إلى زيادة الضغط على الدولار، حيث أن هذا القرار فتح الباب أمام المستوردين بتمويل الواردات عبر السوق الموازية وبذلك تخلت الحكومة عن مسؤوليتها بتوفير النقد الأجنبي المطلوب.
وأضاف صالح، أن ذاك التناقض من شأنه أن يقود لاتساع الفجوة بين السعر الرسمي والموازي للدولار، ما يزيد موجة الغلاء، مؤكداً أن المدخل لمعالجة أزمة النقد الأجنبي يكمن في توفيره بكميات تخلق توازناً بين العرض والطلب الأمر الذي يتطلب تخطيطاً بعيد المدى لرفع الإنتاجية عبر تمويل القطاعات الإنتاجية ومنها الصناعة والزراعة.

ورجح الخبير الاقتصادي صديق كبلو، انهيار قطاعات اقتصادية في حال استمرار تدهور الجنيه، وأشار إلى ذهاب 60% من موازنة البلاد للحرب ما يزيد من أزمة العملات الأجنبية، وقال كبلو، في ندوة اقتصادية عقدت الأسبوع الماضي، إن الحصار المفروض على البلاد ساهم في تفاقم أزمة الدولار، مشيراً إلى تعرض 11 مصرفاً أميركياً لعقوبات مالية تجاوزت ملياري دولار لتعاملها مع السودان في تحويل مبالغ نقدية.
وأعلن مصرف السودان المركزي الأسبوع الماضي ضخ 100 مليون دولار لتعزيز الأرصدة الخارجية للمصارف التي تحتفظ بأرصدة بمقاصة النقد الأجنبي بالمركزي في خطوة قال إنها لمحاصرة المضاربين بالعملة.
وتوقع المصرف أن تمكن الأموال التي تم ضخها المصارف من مواجهة التزامات عملائها فضلاً عن تعزيز احتياطاتها وتنشيط حركتها الخارجية بجانب استقرار سعر الصرف بزيادة المعروض من النقد الأجنبي لمقابلة احتياجات القطاع الخاص وعملاء المصارف للاستيراد. ووجه المصرف المصارف بإضافة تلك الأرصدة لحساباتها المصرفية.
وقال الناطق الرسمي باسم المصرف المركزي حازم عبد القادر، في تصريحات صحافية، إن ضخ مبلغ 100 مليون دولار يعد خطوة في اتجاه الاستمرار لتغطية أرصدة المصارف وتحويلها لحساباتهم بالخارج، وأشار إلى جملة سياسات اتخذها المصرف للحد من السوق الموازي للعملة عبر استلام نصيب الحكومة من أرباح "عينية" من الشركات العاملة في تعدين الذهب، فضلاً عن الاستمرار في شراء وتصدير الذهب المنتج في قطاع التعدين الأهلي بجانب بدء تدفقات المستثمرين الأجانب خلال الفترة الأخيرة.
وحدد وزير المالية السوداني بدرالدين محمود، الذي مثل أمام البرلمان لذات القضية، مؤخراً، جملة أسباب لارتفاع الدولار واتساع الفجوة بين السعر الرسمي والموازي منها عوامل تتصل بالتوسع النقدي الناتج عن شراء الذهب وتمويل عجز الموازنة وتمويل الموسم الزراعي وشراء المحاصيل، ما يعني طباعة العملة لتمويل تلك العمليات، فضلاً عن اتساع الفجوة بين المتاح من الدولارات والمطلوب للشراء.
وأشار محمود، إلى أسباب أخرى لتدهور العملة المحلية، منها استمرار تداعيات انفصال الجنوب، وتكوين دولته المستقلة في عام 2011 وانسحاب أكثر من 70% من إيرادات النفط جنوباً، إضافة إلى الحظر الاقتصادي الأميركي.
ودعا وزير المالية السابق عبدالرحيم حمدي، إلى تحرير سعر صرف الدولار. وقال لـ "العربي الجديد"، إن الإصرار على سعر غير واقعي يؤدي لتشوهات في الاقتصاد، ورأى أن التحرير يعني التعامل مع السلع والخدمات بسعرها الحقيقي ما يحد من انهيار العملة المحلية.

اقرأ أيضا: مصرفيون: مساعي المركزي المصري لكبح الدولار مآلها الفشل
المساهمون