المسألة الأرمنية في بازار السياسة اللبنانية

23 ابريل 2015
يتم توظيف المسألة التاريخية في بازار الأصوات الانتخابية (getty)
+ الخط -
قبل أيام، مرّت الذكرى التاسعة عشرة لمجزرة قانا، التي نفذها الاحتلال في 18 أبريل/ نيسان خلال عدوان عناقيد الغضب عام 1996 ضد لبنان. إلا أنّ المدارس والمعاهد ستقفل أبوابها يوم الجمعة في 24 أبريل الجاري، بمناسبة "ذكرى شهداء مذابح الأرمن". قرّر وزير التربية، إلياس بو صعب، ذلك حاسماً النقاش الأزلي والمستمر منذ عقود حول "الإبادة الأرمنية"، وهو نقاش لم ينجح في حسمه عشرات المؤرخين طوال العقود الماضية. فبعد مئة عام على تلك الأحداث، لا يزال النقاش سارياً مفعوله، وكذلك هي حال الانقسام حوله. اللغط حاصل حول عبارة "إبادة"، كأن عبارتي "مذبحة" أو "مجزرة" لا تكفيان لإدانة المرتكب أيّاً كان وأينما كان.

ليس المطلوب اليوم الدخول في النقاش العقيم، بل إنّ السؤال عن أداء وزير التربية اللبناني أهم من ذلك. كان بمقدور قراره التربوي الأخير أن يفتح الأبواب أمام مجزرة جديدة بين جزء من السنّة اللبنانيين والأرمن، وهو ما كان ينقص الأزمة الطائفية والسياسية والاجتماعية التي يعيشها اللبنانيون. أو كأن اللبنانيين يجترّون الأزمات من كل مكان، من سورية والعراق واليمن ولوزان، حتى من يريفان. في لبنان ما يقارب 200 ألف أرمني، يعدّون أنفسهم أحفاداً مباشرين للضحايا الذي سقطوا في "حملات العثمانيين" خلال الحرب العالمية الأولى. وفيه أيضاً، إسلاميون من الطائفة السنية يعتبرون أنفسهم أحفاد السلطة العثمانية ويرفضون "الادعاءات" الأرمنية بحصول الإبادة.

أشعل الوزير بو صعب هذه الأزمة ـ المعركة في بلد غنيّ بالانقسامات والحروب والمجازر. أما الدافع الأساس فهو حصد بضعة أصوات انتخابية، كون الوزير الذي ينتمي لتكتل التغيير والإصلاح (برئاسة النائب ميشال عون)، من قضاء المتن الشمالي (شمال بيروت) حيث الصوت الأرمني مرجّح وحاسم في الانتخابات. لو لم يمكن الدافع انتخابي محض، لكانت مجازر صبرا وشاتيلا والدامور وتل الزعتر والجبل والكرنتينا لاقت أيضاً تضامن الوزير المعني. وكذلك أحوال مجازر فلسطين في جنين ودير ياسين وكفر قاسم وغزة غيرها.
اللبنانيون فعلاً قادرون على اجترار الأزمات من أيّ مكان، فهذا هو تكريس لأزمة الهوية اللبنانية التي يتم التغنّي بتنوعها وتعددها منذ ما قبل التاريخ الحديث.