شهيدا الضفة الغربية طارق داود ووائل مشة: ثمن الحرية بالدم والبارود

19 اغسطس 2024
الشهيدان طارق داود ووائل مشة (إكس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **انضمام للمقاومة واستشهاد**: وائل مشة وطارق داود من شمال الضفة الغربية، انضما إلى كتائب القسام بعد الإفراج عنهما في صفقة التهدئة في نوفمبر 2023، واستشهدا بفارق ثلاثة أيام.

- **مواقف بطولية في السجن**: في سجن "الدامون"، أظهرا شجاعة ورفضاً لأوامر السجان، مما جعلهما محط احترام وحب من بقية المعتقلين.

- **إصرار على المقاومة**: طارق داود وائل مشة استمرا في المقاومة رغم الضغوط العائلية، حتى استشهدا في عمليات ضد الاحتلال.

ثلاثة أيام فصلت بين التحاق الشهيد القسامي وائل مشة (18 عاماً) من مخيم بلاطة للاجئين شرق مدينة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة، برفيق الدرب والمقاومة، الشهيد القسامي طارق داود (18 عاماً) من مدينة قلقيلية شمال الضفة، وهما الأسيران المحرران بصفقة التهدئة قبل نحو تسعة شهور، لكنهما واصلا طريق المقاومة حتى استشهدا.

وقصفت طائرات الاحتلال منزلاً في مخيم بلاطة كان يتحصن به مشة فجر الـ 15 من الشهر الجاري، في حين قتلت قوات خاصة إسرائيلية داود بعد تنفيذه عملية إطلاق نار على مستوطنين قرب بلدة عزون شرقي قلقيلية في الثاني عشر من الشهر ذاته.

ما جمع بين الشهيدين لم يكن فقط الانتماء إلى كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس، فهما رفيقا الأسر، حيث اعتقلا وهما قاصران في سجون الاحتلال الإسرائيلي لانخراطهما رغم صغر سنهما في العمل المقاوم. ثم أفرج عنهما ضمن صفقة التبادل "صفقة التهدئة"، التي عقدتها المقاومة مع الاحتلال أثناء التهدئة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، وشملت عدداً كبيراً من الأسيرات والأسرى القاصرين أو ما يُعرف فلسطينياً بـ"الأشبال"، الذين كان الشهيدان منهم.

وعقب الإفراج عنهما بفترة قصيرة، عاد الشهيدان ليسيرا على الدرب ذاته، وسرعان ما انضما إلى المجموعات العسكرية في مناطقهما، ونفذا سلسلة عمليات إطلاق نار وتفجير عبوات ناسفة ضد أهداف عسكرية تتبع للاحتلال، وهو ما يعكس شخصيتيهما اللتين ترفضان المحتل وتؤمنان بضرورة مقاومته بكل السبل.

مواقف في السجن

يقول أحد الأسرى المحررين -الذي طلب عدم التعريف به لأسباب أمنية تخصه- لـ"العربي الجديد"، إنه كان معهما في سجن "الدامون" المخصص للأطفال والقُصر لمدة 6 أشهر على الأقل، قبل أحداث طوفان الأقصى. حيث امتازا بالشجاعة والقدرة على مواجهة إدارة السجن وتحدي السجان الإسرائيلي، مستذكراً أنهما في مرة رفضا الانصياع لأوامر "ضابط السجن" بالوقوف أثناء "العدد"، وحرّضا بقية المعتقلين الصغار على ذلك، ما عرّضهما لعقوبات شديدة، منها منع الزيارة والعزل لعدة أسابيع، لكن ذلك لم يثنهما عن مواصلة مقارعة الإدارة من جديد.

ويلفت الأسير المحرر إلى أن طارق ووائل كانا من أكبر الموجودين في قسم الأشبال سنّاً، وإضافة إلى ما يمتازان به من قدرات على الحوار والإقناع، يظهر عليهما الالتزام الديني، إذ كانا يشرفان على إقامة الصلوات الخمس يومياً، ويشجعان بقية الأسرى على الانتظام بها، إضافة إلى قراءة القرآن، وهذا ما جعلهما محط حب واحترام من بقية المعتقلين، وفرضا وجودهما بقوة؛ ما دفع إدارة السجن إلى التعامل معهما بوصفهما ممثلين للأسرى الأطفال واليافعين.  

اعتقل داود في الرابع والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني عام 2022، حين وجّهت إليه تهمة المشاركة في تصنيع عبوات متفجّرة وإلقائها على جنود الاحتلال، ولاحقاً تحرر في صفقة تبادل الأسرى، بعد أن كانت عائلته تتخوف من الحكم المقرر له بالاعتقال مدّة سبع سنوات.

سد الدين للمقاومة

يقول زياد داود والد الشهيد طارق لـ "العربي الجديد": إن نجله يعشق مقارعة الاحتلال منذ نعومة أظفاره، "فقد كان يخرج مسرعاً من البيت مجرد أن يعلم أن جيش الاحتلال اقتحم مدينة قلقيلية شمال الضفة الغربية، وكان الاعتقال الأول له وهو في سن الرابعة عشرة، عام 2021، وما كاد يفرج عنه حتى اعتقل مجدداً".

ولا ينكر الأب أن العائلة حاولت ثني طارق عن العودة إلى المقاومة خوفاً على حياته، وإقناعه بإكمال تعليمه الثانوي والجامعي، لكن من دون جدوى. يقول والده: "كنت أتحدث معه عن الأمور الدنيوية، لكنه كان يرد بالحديث عن محبته للشهداء وعن مكانتهم عند الله، كما كان شديد التأثر بالمقاومة في غزة التي يحمل على عاتقه رد المعروف لها بعد أن أفرجت عنه في الصفقة".

ويرفع الأب جهازه المحمول وهو يقرأ محادثة بين الشهيد وأحد أصدقائه وفيها يتعهد برد المعروف للشهداء الذين ضحوا بدمائهم من أجل الإفراج عنه وعن بقية الأسرى في تلك الصفقة. يقول والده: "كان دوماً يشعر أن عليه سد الدين للمقاومة، ولم يجد طريقة يوفي بعهده لها إلا بالانتماء إلى كتائب القسام ليصبح أحد كوادرها المقاتلين، وهو يعلم يقيناً أن مصيره الشهادة".

يقول طارق في تلك المحادثة "يا زلمة أنت متخيل كم شهيد بس عشان يطلعني. كيف بدي أخون هالدم؟ بفدي بروحي اللي فدوني بروحهم".  يعلق الأب من جديد قائلاً: "كان يتألم عندما يسمع بنبأ اعتقالي أو اعتقال والدته وأشقائه للضغط عليه لتسليم نفسه. لكن ذلك يهون في سبيل الله والدفاع عن غزة والقدس، كما كان يقول".

وكانت رحلة المطاردة لطارق بدأت رسمياً في مايو/أيار الماضي، عندما اقتحمت قوات الاحتلال منزل العائلة فلم يجدوه، فحطمت محتوياته ومنازل الجيران، ثم بدأت بعدها قوات الاحتلال بملاحقته واعتقال والديه لأكثر من 33 مرة، للضغط عليه لتسليم نفسه. كما لاقى أشقاؤه مصيراً مشابهاً، لكن طارق بقي مصرّاً على التمسك بطريق المقاومة، حيث انضم بداية الأمر إلى إحدى المجموعات المقاومة في مدينة قلقيلية شمال الضفة الغربية وشارك في عمليات اشتباك وتصدٍّ لجيش الاحتلال الذي كان يقتحم المدينة، وأُدرج اسمه على قوائم المطلوبين. فيما بعد ظهر طارق في مخيمات طولكرم متوشحاً بسلاحه وعصبة كتائب القسام، ليكون أحد مقاتليها.

أما الشهيد مشة، فقد اعتقل بتاريخ السابع من نوفمبر/ تشرين الأول 2022، بعد مداهمة منزل عائلته في مخيم بلاطة شمال الضفة الغربية وصدر بحقه حكم بالسجن الفعلي لـ 18 شهراً إضافة إلى غرامة مالية باهظة. ويعدّ مشة من عائلة مناضلة، فخاله هو الشهيد يوسف العاصي أحد مقاتلي كتائب القسام، الذي استشهد باشتباك مسلح مع الاحتلال في مخيم بلاطة شمال الضفة الغربية عام 2007، إضافة إلى كون عدد من أعمامه وأبنائهم قد اعتقلوا في سجون الاحتلال.

يقول قريبه محمود مشة لـ"العربي الجديد": "إن اعتقال الشهيد في سجون الاحتلال صقل شخصيته، وحوله من طفل إلى رجل بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وكانت العائلة تشعر بالفخر تجاهه بعد كل مقابلة أو لقاء يجريه مع وسائل الإعلام، فحديثه ينم عن شخصية واعية ومدركة تماماً لما يدور حولها". وكغيرها من الأسر التي تخشى على حياة أبنائها، حاولت عائلة وائل الضغط عليه لعدم الانخراط في المقاومة، وحثه على التعليم والدراسة، لكنه كان قد اختار طريقه بإيمان مطلق. يعلق قريبه قائلاً: "منذ أشهر لم نره إلا مرات قليلة، لم يكن يأتي إلى البيت خوفاً على والدته وإخوانه الأطفال تحسباً من اقتحام الاحتلال له خلال وجوده فيه، وكان يتحين الفرص للسلام علينا في الشارع عندما يرانا".