المريض الافتراضي... في عيادة الدكتور غوغل

06 يناير 2017
(عمل لـ بيورن رون لي)
+ الخط -

أنت الجالس أمام الجهاز الآن، لا تشعر بأيّ شيء غير مألوف. أنت بخير"جسديًا"، ولا تعاني من أيّة أعراض مرضية. بالصّدفة، تجد نفسك في موقعٍ طبي، يتحدّث عن أعراض مرض قاتل يهدّد الجميع، فتبدأ أنت الذي لا تعاني من شيء، في نبش جسدك بحثًا عن الأعراض التي قرأت عنها في الموضوع، وتجد أنّك شعرت بمعظمها هذا الأسبوع: حمّى، دوخة، أرق، صداع، سعال، جفاف، غثيان، دقّات قلب غير منتظمة أحيانًا. وتبدأ في القلق.

تقرأ عن مرضى لم ينتبهوا للأعراض مبكّرًا حتى التَهمهُم المرض. وتبدأ في طرح الأسئلة باحثًا عن أجوبة لن تحصل عليها، أو أنّها لن تشفي غليلك، أنت الذي أصبحت مريضًا افتراضيًا، وعليك إيجاد إثبات لحالتك، حتى تنتقل إلى مرحلة البحث عن علاج قبل فوات الأوان.


مواقع تتصيّدك
تبحث بشدّة عن أعراض أخرى تشابه الأعراض التي على النت، وتفلي جسدك بحثًا عنها، لكن معظم الأمراض لها أربعة أو خمسة أعراض تشترك مع بعضها فيها، حتى أبسط الأمراض تشترك فيها مع أخطرها. كما أنّك لا تعرف أن دراسة حول الموضوع كشفت أن نحو 90 % من المحتوى الصحّي على الإنترنت، خصوصًا في ويكيبيديا مغلوطً. حيث تمّ التّحقق في الدراسة التي أجراها فريق علمي من جامعة كامبيل الأميركية، من المقالات المنشورة على الإنترنت، في أكثر عشر حالات طبية تداولًا في مجال الأبحاث والدراسة.

ووفقا لدراسة أخرى لـ Pew study، تصل نسبة مستخدمي الإنترنت الباحثين عن المعلومات الصحّية إلى 80%، مما يجعل الاستفسارات الطبّية الثّالثة في ترتيب الأكثر بحثًا. وفي إطار البحث عن المعلومات الصحّية تأتي سلامة المنتجات الغذائية أولًا بـ29%، وسلامة الدّواء والوصفات ثانيًا بـ24% والحمل والولادة ثالثًا بـ19%. وأهمّ عمليات البحث، تتعلق بالمعلومات ذات الصّلة بأعراض مرض معيّن أو مشكلة طبية بنسبة 66%، وبالعلاج الطبي أو الإجراءات الطبية بنسبة 56%، وحول أطباء أو مهنيين صحّيين بنسبة 44%.

وفي دراسة قام بها قسم جامعة نوتنغهام لطب الأطفال، لتقيم مصداقية ودقّة المعلومات الصحّية التي يتمّ الوصول إليها عبر شبكة الإنترنت، حول خمس حالات صحّية. وبين أن من إجمالي 500 موقع، 39% منها فقط قدّم المعلومات الصحيحة، فيما كانت معلومات 11% منها خاطئة، وفشل 49% منها في الإجابة عن السّؤال. ومن بين المواقع الموردة لجواب أعطى 78% منها جوابًا صحيحًا. وبشكلٍ عام، تعتبر المعلومات الأكثر مصداقية، هي المنشورة في المواقع الحكومية.


نشر الثقافة الصحية
وفقًا لاستبيان جديد يقوم 8 من كل 10 أشخاص بالبحث عن المعلومات الطبية على شبكة الإنترنت قبل استشارة الطبيب، وتتراوح الإصابات التي يُبحث عن علاجها من تمزّق عضلي إلى سكتة قلبية. ويمكن أن يكون التّشخيص الذّاتي والبحوث الطبية في الإنترنت مفيدين عندما تُوضع المعلومة بمسؤولية.

لذا يحاول بعض الأطباء والجمعيات الطبّية محاربة المعلومات الطبّية غير الدقيقة، عبر إنشاء مواقع خاصة بهم للبحوث الصحية. ووضع معلومات موثوقة بشكل منتظم، كما يشجّع بعض الأطباء المرضى على تثقيف أنفسهم صحّيًا عبر المواقع الإلكترونية، لأنّها تُعدّهم لتجربة طبّية أفضل وأبلغ، فكلّما كانوا أكثر اطلاعًا على المشاكل الصحّية والأمراض، كلّما قضى الأطباء وقتًا أقل في شرحها لهم وسهُل إقناعهم بالعلاج.

بل في حالات كثيرة تُغني المعلومات على النّت عن اللّجوء إلى عيادة طبّية، مثلًا في حالات الحروق الشّمسية التي يمكن مداواتها بواسطة علاجات منزلية، وغيرها من الإصابات والأمراض ذات الأثر المحدود، وتتركّز معظم العلاجات الأكثر شيوعًا في البحث على الإنترنت في مسكّنات الألم، مضادات الاكتئاب، وأدوية ارتفاع ضغط الدم.


أضرار المعلومات الصّحية
في بعض الحالات، المعلومات المتوفّرة على النّت قد تزيد من الشّكوك، وتُفاقم الأعراض، بالإضافة إلى أضرار عديدة قد تنجم عن الاستعمال الخاطئ، وغير الموجّه للمعلومات الطبّية على المواقع الإلكترونية منها:

العمر الافتراضي للمعلومة، فبالإضافة إلى الدّقة، يحتاج المتصفّح للمواقع الصحية إلى حساب العمر الافتراضي للمعلومات الصحية، إذ يعتقد بعض الأطباء أن المعلومات التي نُشرت قبل خمس سنوات فقط، يمكن أن تكون قديمة، ومع ذلك، لا داع للقلق حول إمكانية انتهاء صلاحية المعلومات الصّحية، طالما كانت في مواقع موثوق بها، مثل الوكالات الحكومية أو المؤسّسات الطبية الأكاديمية المعروفة، لأنّها تقود إلى التعرّف على معلومات أخرى في هذه المواقع.

الخطر الثاني، هو انتشار فوبيا الخوف من الأمراض. فكلّ يوم يزداد عدد الذين يستخدمون الإنترنت لتشخيص أنفسهم، ولا يلجؤون إلى الأطبّاء إلا في آخر المطاف، بعد ليالٍ طويلة من القلق بشأن الأمراض الخطيرة التي قرؤوا عنها، ويسمّى هذا النوع من الخوف الناجم عن التّشخيص الذاتي عن طريق شبكة الإنترنت بـ cyberchondria

ويعرّف محرك مايكروسوفت للبحوث cyberchondria بأنها "تضخيم لا أساس له، للمخاوف بشأن الأعراض الأكثر شيوعًا، استنادًا إلى استعراض نتائج البحث على شبكة الإنترنت"، ويشرحه علم النفس بأنّنا إذا كنّا نقول بأنّ المقامرين لديهم ما يسمى" اليد السّاخنة"، فأصحاب cyberchondriac لديهم "أعراض ساخنة"، فحين يجدون أن لديهم العارضين الأولين في القائمة، يعتقدون أن الثّالث موجود كذلك."

الخطر الثّالث هو انتهاك الخصوصية، فشبكة الإنترنت لا يمكنها تخصيص مشورات صحيّة للمريض من قبل الطبيب بشكل شخصي، فكثيرون لا يزالون يفضّلون التحدث مع أطبائهم، الذين هم أكثر دراية من النّاحية النظرية بتاريخ كل مريض، وأكثر أمانًا من ناحية حماية خصوصياتهم، إذ يشكّل خطر انتهاك الخصوصية، أحد أهم المخاوف من نقل المشاكل الصّحية إلى المواقع الإلكترونية.


نصائح الخبراء
وخلص استطلاع للرأي أجرته مجلة iVillage ، إلى أن النّساء يملن بنسبة 80% إلى أخذ راحتهن بشكل كبير أو إلى حد ما، في مناقشة المخاوف الصحّية "المحرجة" مع المهنيين الطبيين، فيما تنخفض النسبة إلى 38% في مجتمع الإنترنت العام، وصرح 43% منهن بأنّهن مرتاحات بالمشاركة في نقاش صحي مع مجهولين على الإنترنت، ورحّب 40% منهن بالفرصة للحصول على المشورة من شخص ما على الإنترنت إذا كانت له تجربة مماثلة.

كما أنّ ثلث النساء يعتقدن أنه من المفيد الوصول إلى شبكة الإنترنت للحصول على المعلومات الصحية، و30% منهن قلن إن البحث في المعلومات الصحية على الإنترنت يمكن أن يعد أفضل لهنّ من زيارة الطبيب، أو إقناعهن بعدم الحاجة لذلك، فربّما وجدت الأم الجديدة علاجًا في المنزل لطفح الحفاظ، يوفّر عليها الرحلة إلى العيادة.

لتضييق البحث لحصر النتّائج وعدم السّقوط في فخّ الأعراض المريبة، ينصح الخبراء باللّجوء إلى مواقع البحث الموثوق بها، والتي لها سمعة طيبة على المستوى العالمي فقط، فباستخدام الإنترنت بشكل استباقي بالبحث عن أعراض غامضة، يمكن أن تكون ذات صلة بأي شيء، سوف ينتهي الأمر بك مصابًا بالاكتئاب.

ويُنصح أيضًا بعدم البحث عن كلمة "إرهاق"، بل عن "كيفية تخفيف الإرهاق"، وإذا كان لديك سعال، فيُفضّل البحث عن علاجات منزلية لتهدئة الحلق بدلًا من البحث عن أمراض قد يكون السّعال من أعراضها، وعندما تشعر بأحد الأعراض المستمرّة، عليك استخدام محرّك البحث الخاص بالأعراض، وليس محرّك البحث العام.

المساهمون