يمثل الرئيس السابق للجمهورية التونسية، منصف المرزوقي، بعد توجهه إلى مدينة غزة المحاصرة على متن سفينة ضمن أسطول الحرية الثالث، حالة استثنائية في خارطة الحكام العرب. بعد خوضه تجربة السلطة يعيش اليوم تجربة نضالية نادرة لم يسبق أن مر بها رئيس عربي أثناء ممارسته للسلطة أو بعدها.
كان يمكن للمناضل الحقوقي أن يعتكف في بيته، ويتابع الشأن الفلسطيني عن بعد، ويكتفي بإصدار البيانات المساندة لفلسطين والمنددة بمحاصريها ومجوعيها مثلما يفعل الجميع. لكن المرزوقي اختار أسلوبا مغايرا عندما قرر أن يجازف مع غيره من دعاة الحرية لفلسطين، وأن يساهم من موقعه كمناضل حقوقي سابق في ممارسة الضغط المباشر على حكام تل أبيب من أجل تمكين فلسطينيي غزة من حقهم في الغذاء والحرية. ويعتبر هذا موقفاً مشرفاً له، بقطع النظر عن مختلف القضايا الخلافية التي عادة ما تثار عند الحديث عن مواقف الرجل واختياراته وممارساته السياسية.
لا شك في أن وجود رئيس سابق لتونس أسيراً لدى الإسرائيليين بعد أن تم احتجاز سفينة "ماريان" السويدية المنضوية في أسطول الحرية الثالث واقتياده من قبل البحرية الإسرائيلية إلى ميناء أسدود، يشكل مفخرة للتونسيين الذي سبق لهم أن قدموا العديد من أبنائهم قرباناً للقضية الفلسطينية.
كذلك امتزجت دماؤهم بدماء القادة الفلسطينيين الذين استشهدوا على أرض تونس عندما اغتالتهم قوات الموساد بعد أن اتخذوا من تونس مقراً لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وكاد أن يستشهد الزعيم الراحل ياسر عرفات على إثر الغارة العسكرية التي أقدم عليه الجيش الإسرائيلي بضاحية حمام الشط القريبة من وسط العاصمة التونسية. وبالتالي فما أقدم عليه المرزوقي ليس سوى حلقة أخرى من التزام الشعب التونسي بالقضية الأساسية، قضية الأرض المغتصبة والشعب الفلسطيني المرتهن.
وجاء توقيت التجربة في وقت خاص، فالتونسيون انشغلوا في هذا الظرف بالمصيبة التي حلت بهم على إثر المجزرة التي ارتكبها أحد أبنائهم الذي تم استقطابه من قبل أعنف حركات الغلو التي تعرفها المنطقة العربية، فتورط في قتل العشرات من السواح الغربيين.
هذه الحادثة التي خيمت بتداعياتها على البلاد التونسية، مما حال دون متابعة أسطول الحرية، وقلص كثيرا من الأضواء التي كانت مهيأة لتعيد المرزوقي إلى اهتمام الرأي العام التونسي.
اقرأ أيضاً:غزة على موعد مع "أسطول الحرية 3" الاثنين
على الرغم من ذلك، توجد متابعة رسمية لحالة المرزوقي ومن معه سواء من قبل رئاسة الجمهورية أو وزارة الخارجية التونسية. كما أن أنصار المرزوقي يستعدون حالياً لتوسيع دائرة الضغط من أجل المطالبة بإطلاق سراح الرئيس السابق لتونس من حالة الأسر التي يوجد عليها الآن.
ما يحصل حالياً، له أهميته، ولن يكون بمثابة الحدث العابر. وعلى الرغم من أن إسرائيل لن تحتفظ كثيرا بالمرزوقي ومن معه؛ لأن ذلك ليس من مصلحتها، فإن المؤكد أن هذه الخطوة التي أقدم عليها المرزوقي السياسي والحقوقي من شأنها أن تؤكد أن بين تونس وفلسطين علاقة أصيلة لا تنفصم، وأن الديمقراطية في العالم العربي لا يمكن أن تنفصل عن الاستقلال الوطني سواء داخل البلد الواحد أو على الصعيد القومي.
فلسطين جزء لا يتجزأ من الوجود العربي، كما أن الحرية غير قابلة للتجزئة، فحرية التونسي أو المصري أو السوري تبقى منقوصة ومهددة ما لم يتمتع بها الجميع. وإذا كان الوعي السياسي في تونس قد هيمنت عليه الأولويات المحلية والقطرية، فإن الخطوة الرمزية التي أقدم عليها المرزوقي من شأنها أن تصحح هذا الوعي المجزأ وتعيد ربطه بإطاره القومي العام، فيتحرر بذلك من عوائقه المحلية، ويربط نضاله الوطني بنضاله العربي والعالمي.
اقرأ أيضاً: المرزوقي مهنئاً برمضان: أيام صعبة على التونسيين وتجاوزها ممكن