المرأة مرئية في الحرب مهمشّة في السلم

30 سبتمبر 2017
+ الخط -
تؤثر النزاعات على المرأة بشكل مختلف عن تأثيرها على الرجل، لأن الأدوار التي تؤديها المرأة في زمن السلم تملي عليها أنماطا محددة ومختلفة عن الرجل، لكن هذه الأدوار الجندرية تتعرّض فجأة لإعادة صياغة دراماتيكية في زمن الحرب، لأن ظروف الصراع تفرض على المرأة (اختصرت أدوارها سابقاً في الأعمال المنزلية والتدريس والأمومة وغيرها) الخروج من البيت إلى ميدان الاقتتال، وارتداء البزة العسكرية، وحمل السلاح، والمشاركة الفعلية في القتال جنباً إلى جنب مواطنها الرجل، طوعاً أو إكراهاً.
فضلاً عن أن انشغال الرجل في ميدان الاقتتال يدفع المرأة إلى الصعود إلى قمة الهرم الاجتماعي، حاميا ومعيلا للأسرة في غياب رب الأسرة "الذكر". وهذا التغيير المفاجئ لدور المرأة في المجتمع في فترة النزاعات يخلق فرصة، أو بالأحرى مفارقة التمكين في زمن الصراع. هذا التمكين يُسقط الاختلافات الجندرية المركّبة اجتماعيا لكلا الجنسين؛ فالمرأة في زمن الحرب لم تعد فقط ممرضةً أو أما، ومتستضعفة، وإنما مقاتلة وحامية وناشطة في النزاع، مثل نظيرها الرجل. لكن السؤال الملح هو، لماذا تمكن المرأة في زمن الحرب، لكنها تدفع إلى العودة وممارسة الأدوار الاجتماعية النمطية التي كانت تؤديها، بعد أن تضع الحرب أوزارها، وبالتحديد في فترة ما بعد النزاع؟
هذا السؤال هو أحد مجالات البحث الرئيسي في دراسات المرأة (الجندر) والنزاعات وقضايا 
السلام.. وفي محاولة لفهم جزئي لهذه الإشكالية، أحاول أن أنظر إلى برنامج الأمم المتحدة لنزع السلاح، والذي يركز على جمع كل الإسلحة من المحاربين القدامى وإتلافها، ومنح تعويض مادي في حالة التسليم الطوعي. يركز التسريح على تفكيك التجمعات العسكرية وتسريح المقاتلين من التعبئة، ويتبع ذلك بعملية إعادة الإدماج عبر مساعدة المجتمع والمقاتلين السابقين للعودة إلى الحياة المدنية. وبرنامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج DDR مهم، وغالباً ما يتم التوقيع عليه في فترة مفاوضات السلام. تنفذ البرنامح الحكومات الخارجة من أتون الحرب بدعمٍ من المنظمات الدولية، كالأمم المتحدة أو مجموعات حفظ السلام، في سبيل الإستقرار الأمني وضمان عملية سلام دائمة الأمد.
عملية نزع السلاح وإعادة الإدماج معقدة ذات أبعاد سياسية وعسكرية وأمنية وإنسانية واجتماعية، وحتى اقتصادية، لكن القائمين على البرنامج قد يتجاهلون، بقصد أو بغير قصد، الجانب الجندري وتأثير العملية على دور المرأة في مجتمعات ما بعد الحرب والسلام، فعلى الرغم من أهمية هذا البرنامج لتجنيب البلدان التي مزقتها الحروب من الانحدار إلى دائرة العنف والاقتتال، إلا أن الطريقة التي يطبق فيها البرنامج تساهم، بشكل من الأشكال، في إعادة تكريس الصورة النمطية عن المرأة في فترة ما بعد النزاع. ويفشل البرنامج، على سبيل المثال، في بعض الحالات، في الاعتراف بالمرأة مقاتلة سابقة، لأن الصورة النمطية المسبقة عنها تختصرها أنثى وضحية، ولا يمكن لها أن تكون محاربةً حملت البندقية، بل هي كائن مسالم بطبيعتها، ولا تليق بها الأدوار العسكرية، على الرغم من أن التاريخ كشف لنا قياديات سياسيات لم يتوانين عن الإعلان عن الحرب، كالإنكليزية مارغريت تاتشر التي خاضت حرب جزر الفوكلاند، والهندية أنديرا غاندي التي قادت حربا ضد باكستان.
قد تؤدي المرأة أدوارا مساعدة في الحرب، طباخة أو مراسلة، أو قد تجبر النساء على ممارسة الدعارة أو الاستعباد الجنسي. وللأسف، لا يعترف بعض منفذي برامج (DDR) بهذه الأدوار، لأن المرأة لم تحمل السلاح، وهذا التعريف الضيق للمقاتلـة السابقة يعرّض النساء للإقصاء، على الرغم من حاجتهن لإعادة إدماج، مثل المحاربين القدامى. وقد يكون أحد الأسباب من رأي أن أغلبية من يعملون ويصممون هذا البرنامج أفراد ذوو خبرات عسكرية. ويوصف المجال العسكري غالباً بأنه مجال ذكوري، يرفع من شأن القيم الذكورية التي تربط بين العنف والبطرياركية والذكورة. وبالتالي هي خصائص وصفات مرتبطة بالرجل، لا المرأة.. لذلك ينظر للرجل باعتباره خطرا أمنيا أكثر من المرأة، في فترة ما بعد النزاع. لذا يصرف جلّ الاهتمام والتركيز عليه. وبالتالي، يُحدث هذا الأمر تحيزا قائما على النوع الاجتماعي. ولذلك يستفيد الرجل أكثر من المرأة من برامج إعادة الإدماج، وتجبر المرأة على عدم الكشف عن دورها في الحرب، خوفا من وصمة العار الاجتماعية. وبالتالي إقصاء رواية المرأة عن الحرب. ناهيك عن أن هذه النظرة الضيقة والنمطية، والتي تُصنف المرأة خطرا غير أمني، على عكس المقاتلين (الذكور) السابقين، يحرمها من أن تحصل على الدعم المادي وفرصة الإندماج في المجتمع، بالإضافة إلى أنه يساهم في تهميشها، وتعزيز وضعها الهش اجتماعياً. فعندما تتعرّض المرأة للإقصاء من برنامج دولي، فإن المجتمع لن يتوانى من النظر إليها كائنا منبوذا اجتماعياً في فترة السلم.
أضف إلى ذلك أن البرنامج الأممي لا يأخذ، عند تنفيذه، بالاعتبار أهمية توفير أماكن مخصصة وآمنة للمرأة، لتسليم الأسلحة، حتى لا تتجابه، وتتعرّض للتحرش من المقاتلين السابقين الذين قد 
يكونون أحد مرؤوسيها العسكريين. من المهم التوضيح أن عدم الاعتراف بالمرأة مقاتلة سابقة يعرّضهن أيضاً للاستغلال والتهديد البشع، فقد ينزع المقاتلون السابقون الأسلحة من المرأة بالقوة، حتى يضمنوا الحصول على أكبر تعويض مادي ممكن من برامج نزع السلاح.
على الرغم من أن الأمم المتحدة تبنت قرارات مختلفة لضمان إشراك المرأة في عملية السلام، وتقوية دورها وتعزيز المساواة بين المرأة الرجل، مثل القرقم 1325 عن المرأة والسلام والأمن، والذي اعتمده بالإجماع مجلس الامن في العام 2000، ثم تلاه القرار 1889 الذي يركز على مشاركة المرأة خلال مراحل ما بعد النزاع وإعادة البناء. إلا أن الطريقة التي تنفذ فيها برامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج تفشل، في حالات كثيرة، من أن تحول مفارقة التمكين التي تولد في زمن الحرب إلى تمكين دائم وبناء في زمن السلم، عوضاَ عن ترسيخ التمييز وعدم المساواة المبني على النوع الاجتماعي.
يصيب بعض النساء اللاتي كن ناشطات في فترة النزاعات شعور مرير بأنهن كن مرئيات وقويات في زمن الحرب، لكنهن أجبرن على أن يكن غير مرئيات وغير معترف بهن في زمن السلم.. وحتى نتجنب هذا المخرج السلبي في عملية بناء السلام؛ لابد من إشراك المرأة في برامج نزع السلاح والتعامل مع مشاركتهن وإدماجهن، بوعي وحساسية جندرية، واستغلال مرحلة بناء السلام لترسيخ المساواة بين الجنسين، وتعميم منظور النوع الاجتماعي.
5412BF0B-EFA5-4615-9E3D-ADDF21848F59
هناء الخمري

كاتبة يمنية مقيمة في السويد متخصصة في دراسات النزاعات والسلام