المدارس الفلسطينية...تعزيز التوجه نحو التعليم المهني والتقني

14 سبتمبر 2016
لا يستبعد البرنامج الطالبات من التعليم المهني (Getty)
+ الخط -
تشهد المدارس الفلسطينية في العام الدراسي الحالي نقلةً نوعية تُسجّل لها، تتمثل بقرار اتخذته وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية، يقضي بدمج التعليم المهني والتقني بالتعليم العام "المدرسي"، وذلك إيماناً منها بأهمية المهنة وضرورة تعظيمها، وتغيير الصورة النمطية السلبية حولها لدى الطلبة والأهالي، وفي إطار الخروج من معضلة تزايد عدد الخريجين الذين يتوجهون إلى الوظائف التعليمية، الأمر الذي يفاقم مشكلة البطالة. 

وسيتم تطبيق هذا البرنامج في أكثر من 150 مدرسة لطلبة المرحلة الأساسية العليا (من الصف السابع وحتى التاسع) لتعزيز توجهات الطلبة في مراحل مبكرة من التعليم المهني، ونشر ثقافة العمل واحترام المهن والحرف، إضافة إلى استحداث الصف العاشر المهني في خطة الوزارة للعام الدراسي القادم 2017/2018.

وحسب وزير التربية والتعليم العالي الفلسطيني، صبري صيدم، صاحب الفكرة وعرّابها، فإن البرنامج يركز على دمج التعليم المهني بالمدارس، من الناحيتين النظرية والتطبيقية، وذلك بتعريض الطلبة لبعض المهارات الأساسية في مجموعة من المهن في الحصة الصفية، وكذلك تنظيم زيارات لبعض المؤسسات أو المدارس المهنية، وتدريب الطلبة على بعض الحقائب التعليمية ذات الصلة.

وقال: يأتي هذا التوجّه ضمن رؤية الوزارة في توجيه الطلبة نحو التركيز على التخصصات التطبيقية التي تلائم سوق العمل، الأمر الذي يسهم في تمكين الطلبة من الالتحاق ببرامج التعليم المهني مستقبلاً. وأضاف: رسالتنا للأهل هي عدم إكراه الأبناء على الالتحاق ببرامج تعليمية، وفرض تخصصات معينة عليهم.

واعتبر صيدم هذا الحدث "تطوراً تاريخياً ونوعياً من شأنه أن يخدم قطاعاً واسعاً لطالما عانى من الإهمال والتهميش"، مؤكداً أن هذه الخطوة، التي تتبع خطوات سابقة في استبدال التوجيهي، والشروع بالعمل على مناهج جديدة، ورقمنة التعليم، تؤكد على الالتزام الجدي لجميع الأطراف بتدشين مرحلة جديدة من التعليم في فلسطين، يعتمد على الخروج من دائرة التلقين، إلى التركيز على محاور الحداثة والعصرنة والإبداع، والتي تؤدي لخلق اقتصاد متمكن، ومجتمع معتمد على التنمية وصناعة المعرفة.

وتحدث كذلك عن وجود معضلة تواجه الوزارة تتمثل بعزوف الطلبة عن الذهاب إلى الفرع المهني، حيث يستقطب الفرع المهني 2% من طلبة المرحلة الثانوية فقط، بينما يتوجه 80% إلى الفرع الأدبي و18% إلى الفرع للعلمي، وهذا ينعكس على طبيعة الإقبال على تخصصات الجامعات، وعلى عدد خريجي التخصصات الإنسانية، الأمر الذي يفاقم نسب البطالة.

من جهته، أشار مدير عام التعليم المهني والتقني في وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية، جهاد دريدي، إلى وجود نقص في عدد المهنيين في فلسطين، لذلك تسعى الوزارة لإعادة صياغة المسار المهني من مراحل مبكرة، من خلال توعية الطلبة حول أهمية التعليم المهني، وإطلاعهم على تجارب جديدة حول أهميته، ودوره في التنمية، وبالتالي تشجيع الطلبة على الالتحاق بالفروع المهنية في مرحلة الثانوية العامة مستقبلاً، وكذلك اختيار التخصصات التطبيقية في تعليمهم الجامعي. ومن جانب آخر، فإن هذا الدمج يعزز العلاقة بين المدرسة والمجتمع المحلي، إذ إن مفهوم التعريض في أحد جوانبه يعتمد على الاستعانة ببعض الحرفيين من السوق المحلية، ممن يعملون في المهن المناظرة، للقيام ببعض المهارات والكفايات تحت إشراف معلم التكنولوجيا.

ويضيف لـ"العربي الجديد": من المتوقع أن يعزز هذا الدمج مفاهيم الريادة والإبداع لدى الطلبة، من خلال التعلم بالمبادرات والمشاريع، وكذلك توجيه الطلبة نحو أفكار العمل الحر، من خلال تأسيس مشاريع أعمال صغيرة مستقبلاً، وعدم الاعتماد على الوظيفة العامة في التشغيل.

مهن للذكور والإناث 
ويوضح دريدي أن هذا البرنامج يستهدف طلبة المدارس في المرحلة المتوسطة، من الذكور والإناث من الصف السابع ولغاية الصف التاسع، بإدخال تسع مهن، يتعلّم الطلبة ثلاث مهن في كل صف.

ويشمل: تدريب الطلبة على مهارات التمديدات الكهربائية، والنجارة، والدهان، وإعداد وتقديم الطعام لطلبة الصف السابع، أما طلبة الصف الثامن فسيتم تدريبهم على مهارات تفصيل وتصميم الملابس، وأعمال البناء و"المعادن البلاستيكية"، والتصميم الداخلي والديكور، بينما سيخضع طلبة الصف التاسع للتدريب على الكهرباء والإلكترونيات المنزلية، والتجميل، والتصنيع الغذائي.

ويؤكد كذلك أن اختيار هذه المهن، يأتي ضمن تدرّج وترابط في المفاهيم والموضوعات بشكل هرمي، وصولاً إلى الصف العاشر المهني، الذي سيطبّق في العام الدراسي 2017/ 2018، ومن ثم إلى الصفوف المهنية، في الصفين الحادي والثاني عشر في الفروع المهنية.

ويؤكد أسامة اشتية، مدير دائرة المدارس المهنية، أن الوزارة تسعى إلى زيادة أعداد الطلبة الملتحقين بهذا النوع من التعليم بفروعه المختلفة، وإتاحة الفرص للفتيات للالتحاق، وذلك من خلال تطوير وتوسعة المدارس المهنية القائمة، واستحداث مدارس مهنية جديدة، والبدء بتطبيق أنماط جديدة من التعليم والتدريب المهني المرتبط بالعمل وبرامج التلمذة المهنية، وذلك لربط هذا التعليم والتدريب باحتياجات سوق العمل، وزيادة فرص التشغيل لخريجي الفروع المهنية، والعمل جارٍ ومستمر لتطوير البرامج والمناهج وفق منهجيات حديثة لربط هذه البرامج باحتياجات السوق، ومشاركة فاعلة من أصحاب العمل في تطويرها.

وحول البرامج والتخصصات الجديدة، يؤكد اشتية أنه تم استحداث ثلاثة برامج في الطاقة البديلة، وثلاثة في تكنولوجيا السيارات الحديثة (الأوتوميكاترونيكس)، وبرنامجين في تكنولوجيا المصاعد، وبرنامج جديد في تصميم الأزياء وتفصيل الملابس، وبرنامجين في التجميل، وبرنامج جديد في الفندقة، إضافة إلى ثلاثة برامج جديدة للبنات في التصميم الغرافيكي، وتصميم صفحات الويب، وصيانة وتقنيات الهواتف المحمولة.

وفي معرض حديثه عن أهمية دمج التعليم والتدريب المهني في المدارس وفي صفوف مبكرة، أكد سامر سلامه، الوكيل المساعد في وزارة العمل الفلسطينية، لـ"العربي الجديد"، على أهمية هذا القرار وهذا الدمج، معتبراً أن تحضير الطلبة في صفوف مبكرة للتعرّف على مهن المستقبل، سيمكّن الطلبة منذ الصغر، من التعرّف على أهمية هذه المهن من ناحية، وسيوجّه الطلبة نحو مسارهم المهني المستقبلي، وخاصة أن الإقبال على المسار المهني ضعيف جداً، والسبب يعود إلى جهل الطلبة لأهمية التعليم والتدريب المهني والتقني، لتمكينهم من دخول سوق العمل، في ظل التخمة المستمرة في المسارات الإنسانية التي لا تتواءم مع هذه السوق.

واعتبر سلامه أن التعليم والتدريب المهني هو الطريق الأقصر لدخول سوق العمل، وللوصول إلى هذا الهدف، لا بد من تحضير الطلبة لذلك منذ الصغر، وفي الصفوف المبكرة، وهنا تأتي أهمية دمج التعليم والتدريب المهني والتقني في المدارس.

يشار إلى أن ما يزيد على 3500 طالب وطالبة، يلتحقون في برامج التعليم الثانوي النظامي، في فلسطين، موزعين على 20 مدرسة مهنيــة (حكومية وخاصة) في الضفة وغزة، توفر أكثر من 30 تخصصاً (برنامجاً) في فروع التعليم المهني المختلفة.




المساهمون