سرقت في الفترة الأخيرة مضايا والفوعة وكفريا السورية الأضواء، لا سيما عندما خرجت منها صور مرعبة عن حصار الموت جوعاً الذي يُطبق على نحو ثلاثين ألف مواطن نصفهم من النساء والأطفال والعُجّز. وتكمن أهمية هذه الصور في رمزيتها، إذ هي مجرّد لقطة مصغّرة عن المحنة السورية التي بعدما شملت الجغرافيا السورية، تمددت وانفلشت لتصل إلى أوروبا وكندا وأستراليا عبر قوافل طالبي اللجوء الهاربين من الموت اليومي، بالإضافة إلى أولئك الذين ابتلعتهم مياه البحار العميقة.
السوريون يعانون من الحصار ومن الموت اليومي في الأسواق والملاجئ والمستشفيات والمدارس والبيوت، فماذا عن المعوقين منهم؟ المعلومات الواردة من دمشق العاصمة لا تشير فقط إلى ظهور أعداد من ذوي الأطراف المبتورة في شوارع المدينة على نحو غير مألوف، بل أيضاً إلى ما هو أكثر فداحة على صعيد الأعداد الكبرى المكتومة والمخبأة. الذين يخرجون إلى الشوارع ويسألون المارة عمّا يحفظ حياتهم، هم قليل من كثير.
في الإحصاءات، كانت نسبة المعوّقين في سورية قبل عام 2011 بحدود 10% من عدد السكان، ولم يستطع أحد حتى اللحظة تقدير كم أضافت الحرب القاسية إلى هذه النسبة. أربع سنوات من القتال المتواصل الذي لم يترك مدينة ولا قرية إلا أمطرها بالقنابل والبراميل والقذائف من السماء والأرض، فيما لا يتوقف مسلسل الاشتباكات اليومية إلا ليذخّر المقاتلون المدافع والبنادق.
تتباين تقديرات العدد الإجمالي للضحايا، لكنها تلامس حدود 400 ألف مواطن. ولا تقلّ نسبة الإعاقة بين العسكريين النظاميين وغير النظاميين، عن نحو خمسين ألفاً. وهؤلاء كما هو معلوم، من أعمار فتية تراوح ما بين العشرينيات والأربعينيات. أما النسبة الأعلى فهي من الرجال. من بين القتلى نسبتهم 90 في المائة، وفي الإعاقة لا بدّ أن تتقارب النسب أيضاً. على أي حال، الرقم المتداول الآن يرفع عدد المعوّقين في البلاد إلى 1.5 مليون. قبل الحرب، كان عدد الذين شملهم التصنيف الوطني الرسمي كمعوّقين بحدود 190 ألفاً. يمكن تصوّر عشرات الألوف الذين لم يشملهم الإحصاء المذكور، لكن يظل البون شاسعاً ما بين هذا الرقم ورقم المليون ونصف مليون الذي صدر عن رئيس الهيئة العامة للطب الشرعي حسين نوفل. ويعدّ الأخير الرقم السابق كعدد المعوّقين من جرّاء الحرب، لذا ينبغي إضافة هذا الرقم إلى الأصلي، فيصبح لدينا نحو مليونَي معوّق على أقل تقدير.
وتظل الوقائع أكثر قسوة من الأرقام والمعطيات الباردة التي تفتقد الحرارة، حرارة لحم ودم الناس المعذبين بإعاقاتهم وعجزهم عن الهرب من مطحنة الموت القاتلة.
(أستاذ في كلية التربية، الجامعة اللبنانية)
اقرأ أيضاً: سورية والجغرافية الممزقة