المحرك الاقتصادي للثورة السورية

07 مارس 2016
تهجير السوريين من بلادهم (وكالة الأناضول)
+ الخط -
أدت سياسات "الإصلاح" الاقتصادي التي اتبعتها سورية بعد عام 2004 إلى زيادة الفقر والحرمان لشرائح واسعة من السوريين من جهة، وإلى زيادة تركز الثروة بيد طبقة التجار الجدد وتنامي ارتباطهم بالسلطة من جهة أخرى. وكان لتلك التطورات تأثير مباشر على الاحتجاجات الشعبية في سورية، إن لم يكن على اندلاعها فبالتأكيد على احتضانها لاحقا وعلى مسار تطورها في وجه الخيار العنيف الذي اتبعه النظام السوري.
لقد نجح الحل الأمني ومن ثم العسكري الذي أطلقه النظام ضد جموع المحتجين في منع انخراط الفئات الوسطى بشكل كبير ومستمر في النشاطات الاحتجاجية، لكنه عجز عن منع الفئات الشعبية المفقرة من المشاركة الكثيفة والمتواصلة والمتصاعدة. حيث شكلت هذه الفئات الأرضية الصلبة التي قامت عليها الاحتجاجات وكانت سر قدرتها على الاستمرار، كما كان لها الدور الحاسم في تبلور الخيار العسكري وتشكل جماعات مسلحة مختلفة المشارب والغايات.
هكذا، كان للعامل الاقتصادي دور هام على مستوى عدم انكسار الاحتجاجات أمام العنف الرهيب الذي أطلقه النظام السوري، وعدم قبول المحتجين بتسوية لا تلبي طموحاتهم. ولكن المصاعب الاقتصادية التي واجهت ملايين السوريين قبل الثورة، وتصاعدها بأضعاف مضاعفة في السنوات الماضية بفعل الدمار الواسع وانهيار الاقتصاد السوري، شكلت عاملا رئيسا أيضا ساعد على انتشار التنظيمات الأصولية في صفوف الثورة وتوسعها لتتصدر المشهد في نهاية المطاف.

الفقر المدقع

تشير البيانات إلى تركز الفقر "المدقع" في المنطقة الشمالية الشرقية، وتحديدا في إدلب وريف حلب ودير الزور، التي استحوذت على أكبر عدد من الفقراء في عام 2004. وقد تطور العمل العسكري ضد النظام بشكل لافت في تلك المناطق. وكانت مدن المنطقة الجنوبية، ومنها مدينة درعا شرارة الاحتجاجات، قد شهدت أكبر زيادة في معدلات الفقر منذ عام 2004، حيث اقتربت نسبة الفقر في عام 2007 إلى ضعف ما كانت عليه في عام 2004، وبالتالي فإن هذه المنطقة التي كان لديها أدنى مستويات الفقر في عام 2004، غدت ثاني أفقر منطقة في عام 2007 وذلك بحسب التقرير الوطني الثاني لأهداف التنمية للألفية.

تطورت نشاطات الثورة بصورة واضحة في الأحياء المهمشة والفقيرة، والتي تحتضن السكن العشوائي في العاصمة دمشق، فكانت الثورة قوية وغير قابلة للإخماد في محيط دمشق. وفي حين انتعشت نشاطات الثورة في مركز العاصمة بصورة نسبية في بدايات الثورة، وشهدت مشاركة مقبولة من الفئات الوسطى في ظروف أمنية قاسية، لكن القمع العنيف للسلطة استطاع إخماد الثورة في العاصمة ولم يستطع ذلك في الأحياء الطرفية. حيث أبدت فئات من الفقراء والمهمشين استعدادا لافتا للمقاومة والتضحية من دون الاكتراث بحسابات عادة ما توجد لدى الفئات الوسطى.
يبدو الانقسام السياسي-الطبقي أوضح ما يكون في مدينة حلب بين سكان الأحياء الشرقية والأحياء الغربية. يقطن المناطق الغربية المنظمة سكان الحضر وتنتشر فيها الفئة الوسطى والأغنياء، وهؤلاء كانوا شديدي الحذر في المشاركة في النشاطات السلمية للثورة منذ البداية، ثم اتخذوا موقفا معاديا للثورة ومتخوفا أكثر من المناطق الشرقية التي احتضنت أعمال الثورة السلمية أولا، ولم تتردد لاحقا في خوض العمل العسكري ضد النظام. المناطق الشرقية تلك، تضم أحياء الفقر والسكن العشوائي ويسكنها من نزحوا إلى المدينة في محاولة لتحسين أوضاعهم الاقتصادية وإيجاد عمل بعد أن ضاق عليهم الحال في الريف الفقير.
هكذا، فإن التدقيق في جغرافية توسع الاحتجاجات يشير إلى ارتباطها الوثيق بجغرافية الفقر في سورية، إذ شكل التهميش التنموي سمة عامة ومشتركة لمختلف المناطق المحتجة في البداية والتي تصدت لعنف النظام السوري. وعلى مدار السنوات الماضية، ارتفعت نسبة البطالة في صفوف السوريين إلى أكثر من 60 في المائة، فيما أصبح نحو 10 ملايين سوري يعتمدون بصورة شبه تامة على الإعانات الدولية لتأمين قوت يومهم.

ملخص دراسة بعنوان: "سورية: كيف هيأ الاقتصاد المسرح لانفجار التطرف"، مركز دراسات الجمهورية الديمقراطية، 2016

اقرأ أيضاً:الواقع يكذب النظام: احتضار الصناعة السورية
المساهمون