المجلس السياسي للأمن الوطني ضمانة العراق

25 سبتمبر 2014

مقاتلون أكراد من قوات البيشمركة قرب خورماتو (22أغسطس/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -

يؤشر تشكيل الحكومة العراقية إلى وعي القيادات العراقية للمصلحة المشتركة، في الحفاظ على الدولة موحدة، ومنع الانزلاق نحو التقسيم. ولكن، لا يعني ذلك أن تشكيل الحكومة خطوة كافية في هذا الاتجاه، حيث المشاركة في الحكومة تطلق بناء الثقة بين المكونات العراقية، ولكن، تبقى الحاجة لخطوات إضافية.

ويشكل دخول قادة القوى السياسية إلى مواقع قيادية في السلطة الجديدة اعترافاً بدقة المرحلة، وبعدم قدرة الحكومة، وحدها، على اتخاذ القرارات اللازمة لترجمة الاتفاقات السياسية إلى إجراءات تنفيذية، ترعى المصالحة وتحقق المشاركة. على الرغم من أن هذه الخطوة تعتبر أساسية في تشكيل ائتلاف موسع وفعال لإدارة البلاد، إضافة إلى الائتلاف المكون داخل الحكومة، وتمهد، ربما، لإعادة إحياء المجلس السياسي للأمن الوطني وتفعيله، كهيئة قيادية دائمة، تصنع التسويات.

نظرياً، يحقق تشكيل الحكومة ودخول قادة القوى السياسية إلى مواقع في السلطة الجديدة مبدأي نسبية التمثيل والائتلاف الموسع، الضروريين لتعزيز الممارسة التوافقية في الحكم. ولكن، لا بد من العمل على مستويات مختلفة، لتعزيز شروط التوافقية الخاصة في العراق، والتي برز حرص القيادات المختلفة، بالنسبة لهذه المسألة، في مفاوضات تشكيل الحكومة الحالية.

قد لا تكون النسبية في التمثيل كافية لإيجاد الحلول التوافقية، بل تحتاج إلى هيئة قيادية لصنع التسويات، أو الاعتماد على مبدأ الصفقة الكاملة. وغالباً، ما يتم تطبيق ذلك في آن واحد، بمعنى أن الصفقة الشاملة تكون، عادةً، على طاولة بحث الهيئة القيادية، الممثلة لمكونات المجتمع، ما يبدو واضحاً في آليات عمل النظام العراقي.

عرف النظام العراقي هذه الهيئة القيادية، في مرحلة أولى من تشكيل النظام الحالي، من خلال مجموعة السبعة (نواة مجلس الحكم) في حينه، وقد تشكلت من أحمد الجلبي، إياد علاوي، مسعود بارزاني، جلال طالباني، إبراهيم الجعفري، عادل عبد المهدي، ونصير الجادرجي. واليوم مجموعة من هذه القيادات تعود إلى مواقع متقدمة في تشكيلة السلطة الحالية، خصوصا للشيعة. ما يرتبط بإرضاء قادة القوى السياسية من جهة، وبقدرة هذه القيادات، من جهة أخرى، على اجتراح الحلول عند اللازم، خصوصا إذا وضعت الآليات التنفيذية لذلك، من خلال هيئة تجتمع القيادات من خلالها.

كما أن المجلس السياسي للأمن الوطني، وهو هيئة تتشكل من الرؤساء (الجمهورية، مجلس الوزراء، مجلس النواب)، ونوابهم، ورؤساء الكتل النيابية، شكل نموذجاً آخر للهيئة القيادية. علما أنه يتشكل من مجموعة من القادة العراقيين، ويراعي التوازنات الطائفية والإثنية، والتوازنات السياسية أيضاً. على الرغم من أن الدستور لم ينص على تشكيل هذا المجلس، وهو لا يتمتع بصلاحياتٍ فعليةٍ تجاه المؤسسات الدستورية، إلا أنه شكل أداةً رئيسةً في النظام السياسي العراقي، حيث اعتبر، في فترة عمله، مطبخ التسويات السياسية بين الأطراف المختلفة. فهو بمثابة الهيئة القيادية العليا للبلاد، تحال إليه القضايا التي يصعب التوصل بشأنها إلى تسويات في المؤسسات الدستورية، مثل موضوع كركوك، قانون الانتخابات وموعدها، الاتفاقات الخارجية الرئيسة (الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة)، وغيرها من القضايا. في حال التوصل إلى حل هذه المسائل، يحيلها المجلس على المؤسسات الدستورية، لاتخاذ الإجراءات القانونية بشأنها، من أجل تنفيذها.

هذا لجهة الهيئة القيادية العليا، التي تعنى بحل الخلافات المصيرية. كذلك، تبين وقائع الممارسة السياسية في العراق الاعتماد على مبدأ الصفقة الكاملة، للوصول إلى التسويات. وذلك ينطبق على آلية تشكيل السلطة عقب الانتخابات، فلا بد من اتفاق كامل على كيفية توزيع المناصب الرئيسة: الرئاسات، ونواب الرؤساء، بالإضافة إلى كيفية تشكيل الحكومة، وتوزيع الحقائب. ليصار، بعدها، إلى اعتماد الآليات الدستورية والإجراءات العملية. وهذا ما حصل إلى حد بعيد في تشكيل السلطة الأخيرة، علما أن هذه الممارسة انطلقت مع مفاوضات اعتماد الدستور، حيث جرت على أساس الصفقة الكاملة، ولكن، من دون أن يعني ذلك أن الصفقة شملت كل القضايا، ولكن، نقصد أن المسائل التي تم الاتفاق عليها جاءت بناءً على تطبيق مبدأ "الصفقة الكاملة". فالتنازلات المتبادلة تمت، بشكل رئيسي بين الشيعة والأكراد، انطلاقاً من محاولة كل طرف تحقيق الحد الأقصى من أهدافه. الأكراد حققوا الجزء الأكبر من أهدافهم بالنسبة للفيدرالية، كذلك الشيعة بالنسبة لإضفاء الصبغة الإسلامية على النظام.

تبقى المسألة الأساسية لتعزيز الممارسات التوافقية في العراق، وهي الاعتراف بالفيتو المتبادل للمكونات العراقية، الممثلة بالقوى السياسية واحترام ممارسته، على الرغم من أنه يتعارض مع توجهات المكون الشيعي الذي يصر على حكم الأغلبية المخفف بممارسات توافقية. وقد شكلت ممارسة الفيتو المتبادل عنصراً أساسياً لتشكيل الحكومة والسلطة الحاليتين من الأطراف المختلفة، وإن كان هذا الاعتراف ضمنياً وغير صريح في عدد من المواقع، كما أنه لم يكن مطلقاً في مواقع أخرى، خصوصاً للجانب الكردي الذي قبل المشاركة، على الرغم من عدم الأخذ بالمطالب الكردية كاملة.

ويشكل احترام الفيتو المتبادل ضمانة للأكراد والسنة، ويعزز التوافق بين المكونات العراقية في هذه المرحلة الدقيقة، كما يساهم في بناء الثقة وتعزيزها بين المكونات العراقية. كما يشكل ضرورةً في غياب المؤسسات الدستورية والأنظمة التي تضمن المشاركة العادلة للمكونات العراقية في السلطة، من خلال الفيدرالية، ونعني بذلك غياب النظام الداخلي لمجلس الوزراء الذي أدى، في السنوات الماضية، إلى ممارسة حكم الأغلبية، ما عزّز من التباعد والانقسام، بالاضافة إلى "فتاوى" المحكمة الاتحادية العليا التي أتت لصالح حكم صريح بالأغلبية، كذلك عدم إنشاء مجلس الاتحاد من خلال قانون ينظم عمله بشكلٍ، يراعي مشاركة عادلة للمكونات العراقية.

ويفتح غياب الآليات الدستورية التي ترعى عمل النظام السياسي المجال لممارسات توافقية من خارج هذه الآليات. لذلك، نقترح تفعيل المجلس السياسي للأمن الوطني، لتشكيله هيئة قيادية تؤمن التمثيل النسبي للقوى السياسية والمكونات العراقية، ويمكن، من خلاله، تأمين إجماع وطني بشأن حلول لقضايا مهمة، يمكن تنفيذها، بانتظار اتخاذ الآليات اللازمة لتطوير النظام السياسي، بشكل يؤمن المشاركة، ويعزز الثقة ويضمن الاستقرار.

1E16C5FF-4F4D-4396-8E65-0152AAD98B91
سليم فوزي زخّور

كاتب لبناني، وباحث في شؤون القانون الدستوري والأنظمة السياسية.