عاد ثامر عبد الله الزوبعي (36 عاماً) إلى منزله وقريته غرب بغداد، وسرعان ما وجد عملاً واستقرت أحواله بعد عامين قضاها في السجن بتهمة الإرهاب، قبل أن تُثبت براءته. هذا الرجل الذي ينتظر مولوده الأول بعد شهرين، لا يجد صعوبة في التكيّف مع كونه سجيناً سابقاً. النظرة التي كانت تسود في المجتمع العراقي حيال السجين لم تعد موجودة اليوم، والسبب هو اكتظاظ السجون بالأبرياء. اليوم، يوصف بعض السجناء بالأبطال، بسبب تصدّيهم لقوات الاحتلال الأميركية.
ويقول الزوبعي لـ "العربي الجديد" إن "زملاء آخرين له في السجن كانوا مظلومين أيضاً، وبعضهم خرج ولم يجد صعوبة في أي من مفاصل الحياة خارج السجن".
نظرة العراقيّين حيال المعتقلين بتهم جنائية وجرائم إرهابية اختلفت عما كانت عليه سابقاً. اختفت نظرة الاحتقار والدونية، باستثناء المعتقلين بتهم تتعلّق بالسرقة أو السطو المسلح أو العنف الطائفي أو الاعتداء الجنسي. على مدى ست سنوات، تنقّل أحمد الجغيفي بين سجون عدة، وعُذّب. وبسبب دفاعه عن بستان والده، اتهم بالانتماء إلى تنظيم القاعدة ومقاومته للقوى الأمنية.
اقــرأ أيضاً
كان ذلك في عام 2006، حين بدأت مليشيات مسلحة وجهات أمنية اعتقال سكان من قرى في محيط بغداد، ومداهمة منازل وحقول وبساتين بداعي وجود مسلحين تابعين لتنظيم القاعدة فيها. والهدف، بحسب الجغيفي، "ليس محاربة القاعدة، بل الاستيلاء على مناطقنا وأملاكنا فيها". يضيف لـ "العربي الجديد": "نتيجة تلك الاعتداءات، اضطر سكان هذه المناطق إلى الدفاع عن أنفسهم وممتلكاتهم، في وقت هاجر عدد آخر تاركاً خلفه بيوته التي تحيط بها البساتين. غالبية السكان يملكون بساتين عامرة بالأشجار المثمرة، منها بستان والدي، الذي قرر أن يهاجر إلى خارج البلاد برفقة أفراد العائلة للحفاظ على حياتهم، لكنني رفضت المغادرة".
عجز والد أحمد عن أن يجبره على ترك البلاد ومرافقة العائلة إلى الخارج هرباً من القتل أو الاعتقال. يقول: "كان عمري خمسة وعشرين عاماً، وكنت ناقماً على هذه الجهات التي كان هدفها طائفياً". كان مصير أحمد الإعدام، على حد قوله، بعد اشتباكه مع القوى الأمنية التي داهمت بيته في بستان العائلة. تدخّل والده عن طريق وسطاء للإبقاء عليه حياً في السجن في مقابل دفعه مبلغاً كبيراً من المال لأحد الضباط الكبار المسؤول عن السجون. وبعد ثلاثة أعوام من السجن، استطاع والده تبرئته بعد دفع مبلغ كبير لشخص رفيع المستوى في وزارة الداخلية. يضيف أحمد: "لم أكن أتوقع أن تبقى سمعتي طيبة بين الناس بعد دخولي السجن".
نظرة العراقيين للسجناء تغيرت كثيراً، ولم يعد يُطلق على من دخل السجن وقضى محكوميته فيه، أو أعفي عنه، بـ "خريج سجون" كما في السابق، وإن سُجن أكثر من مرة. بعد غزو البلاد في عام 2003، تغيّر حال البلاد كثيراً، وبات الناس يُدركون أن غالبية من يُسجنون أبرياء.
في هذا السياق، يقول سعد جواد (42 عاماً)، إنه ورفاقه الذين تعرف عليهم في السجن، كانوا يخشون نظرة الناس إليهم بعد خروجهم من السجن. لكنه يؤكد أن ذلك لم يحصل، بل زاد احترام الناس لهم. يضيف لـ "العربي الجديد" أنه ما زال يلتقي ببعض الذين تعرّف عليهم داخل السجن، مشيراً إلى أنه سُجن في عام 2014 بسبب "وشاية مخبر سري يعمل مع الأمن، قال إنه على اتصال مع إرهابيين. ومن فعل ذلك منافس لي في مجال العقارات". ويوضح أنه بعد سجنه لستة أشهر نال حكماً بالبراءة بعدما دفع مبلغاً كبيراً من المال لوسيط على اتصال بمنافسيه.
بالإضافة إلى ذلك، النظرة الإيجابية للسجين السابق لها دور فعال في عودته إلى المجتمع واندماجه به، والمشاركة في بنائه، على عكس النظرة السلبية التي تؤدي إلى تحطيم الفرد، وتؤثّر على عائلته أيضاً. ويؤكّد أستاذ علم النفس، عبد الهادي الجنابي، لـ "العربي الجديد": "يشعر السجين أن جميع الناس ينظرون إليه بدونية واحتقار. وهنا يأتي دور المجتمع إن كان سيتقبل هذا الشخص أم يرفضه". يضيف: "نظرة المجتمع تغيرت كثيراً بسبب الأحداث التي عرفها العراق. وما من عائلة لم يُسجن أحد أبنائها أو أقاربها. وصار الجميع يدرك أن غالبية المسجونين مظلومون". يتابع: "من المهم أن يُدرك السجين السابق أنّ المجتمع ينظر إليه بإيجابية، على عكس النظرة السلبية التي كانت سائدة في السابق. وكانت العائلات ترفض أن يتزوج السجين إحدى بناتها، ما يؤدي إلى انهيار السجين من الناحية النفسية، وقد يلجأ إلى ارتكاب جرائم".
اقــرأ أيضاً
وكان مركز بغداد لحقوق الإنسان، إحدى أبرز المنظمات العراقية المعنية بالملف الحقوقي في البلاد، قد ذكر في بيان مطلع العام الجاري أن مجموع المعتقلين في السجون الحكومية بلغ 38 ألف معتقل من الرجال، وأكثر من 900 من النساء، مؤكداً أن وزارة العدل تحجب البيانات الرسمية عن الرأي العام والمنظمات الحقوقية الدولية والمحلية، بسبب سوء ظروف الاحتجاز، وتفشي الأمراض الخطيرة، والإهمال الطبي.
ويقول الزوبعي لـ "العربي الجديد" إن "زملاء آخرين له في السجن كانوا مظلومين أيضاً، وبعضهم خرج ولم يجد صعوبة في أي من مفاصل الحياة خارج السجن".
نظرة العراقيّين حيال المعتقلين بتهم جنائية وجرائم إرهابية اختلفت عما كانت عليه سابقاً. اختفت نظرة الاحتقار والدونية، باستثناء المعتقلين بتهم تتعلّق بالسرقة أو السطو المسلح أو العنف الطائفي أو الاعتداء الجنسي. على مدى ست سنوات، تنقّل أحمد الجغيفي بين سجون عدة، وعُذّب. وبسبب دفاعه عن بستان والده، اتهم بالانتماء إلى تنظيم القاعدة ومقاومته للقوى الأمنية.
كان ذلك في عام 2006، حين بدأت مليشيات مسلحة وجهات أمنية اعتقال سكان من قرى في محيط بغداد، ومداهمة منازل وحقول وبساتين بداعي وجود مسلحين تابعين لتنظيم القاعدة فيها. والهدف، بحسب الجغيفي، "ليس محاربة القاعدة، بل الاستيلاء على مناطقنا وأملاكنا فيها". يضيف لـ "العربي الجديد": "نتيجة تلك الاعتداءات، اضطر سكان هذه المناطق إلى الدفاع عن أنفسهم وممتلكاتهم، في وقت هاجر عدد آخر تاركاً خلفه بيوته التي تحيط بها البساتين. غالبية السكان يملكون بساتين عامرة بالأشجار المثمرة، منها بستان والدي، الذي قرر أن يهاجر إلى خارج البلاد برفقة أفراد العائلة للحفاظ على حياتهم، لكنني رفضت المغادرة".
عجز والد أحمد عن أن يجبره على ترك البلاد ومرافقة العائلة إلى الخارج هرباً من القتل أو الاعتقال. يقول: "كان عمري خمسة وعشرين عاماً، وكنت ناقماً على هذه الجهات التي كان هدفها طائفياً". كان مصير أحمد الإعدام، على حد قوله، بعد اشتباكه مع القوى الأمنية التي داهمت بيته في بستان العائلة. تدخّل والده عن طريق وسطاء للإبقاء عليه حياً في السجن في مقابل دفعه مبلغاً كبيراً من المال لأحد الضباط الكبار المسؤول عن السجون. وبعد ثلاثة أعوام من السجن، استطاع والده تبرئته بعد دفع مبلغ كبير لشخص رفيع المستوى في وزارة الداخلية. يضيف أحمد: "لم أكن أتوقع أن تبقى سمعتي طيبة بين الناس بعد دخولي السجن".
نظرة العراقيين للسجناء تغيرت كثيراً، ولم يعد يُطلق على من دخل السجن وقضى محكوميته فيه، أو أعفي عنه، بـ "خريج سجون" كما في السابق، وإن سُجن أكثر من مرة. بعد غزو البلاد في عام 2003، تغيّر حال البلاد كثيراً، وبات الناس يُدركون أن غالبية من يُسجنون أبرياء.
في هذا السياق، يقول سعد جواد (42 عاماً)، إنه ورفاقه الذين تعرف عليهم في السجن، كانوا يخشون نظرة الناس إليهم بعد خروجهم من السجن. لكنه يؤكد أن ذلك لم يحصل، بل زاد احترام الناس لهم. يضيف لـ "العربي الجديد" أنه ما زال يلتقي ببعض الذين تعرّف عليهم داخل السجن، مشيراً إلى أنه سُجن في عام 2014 بسبب "وشاية مخبر سري يعمل مع الأمن، قال إنه على اتصال مع إرهابيين. ومن فعل ذلك منافس لي في مجال العقارات". ويوضح أنه بعد سجنه لستة أشهر نال حكماً بالبراءة بعدما دفع مبلغاً كبيراً من المال لوسيط على اتصال بمنافسيه.
بالإضافة إلى ذلك، النظرة الإيجابية للسجين السابق لها دور فعال في عودته إلى المجتمع واندماجه به، والمشاركة في بنائه، على عكس النظرة السلبية التي تؤدي إلى تحطيم الفرد، وتؤثّر على عائلته أيضاً. ويؤكّد أستاذ علم النفس، عبد الهادي الجنابي، لـ "العربي الجديد": "يشعر السجين أن جميع الناس ينظرون إليه بدونية واحتقار. وهنا يأتي دور المجتمع إن كان سيتقبل هذا الشخص أم يرفضه". يضيف: "نظرة المجتمع تغيرت كثيراً بسبب الأحداث التي عرفها العراق. وما من عائلة لم يُسجن أحد أبنائها أو أقاربها. وصار الجميع يدرك أن غالبية المسجونين مظلومون". يتابع: "من المهم أن يُدرك السجين السابق أنّ المجتمع ينظر إليه بإيجابية، على عكس النظرة السلبية التي كانت سائدة في السابق. وكانت العائلات ترفض أن يتزوج السجين إحدى بناتها، ما يؤدي إلى انهيار السجين من الناحية النفسية، وقد يلجأ إلى ارتكاب جرائم".
وكان مركز بغداد لحقوق الإنسان، إحدى أبرز المنظمات العراقية المعنية بالملف الحقوقي في البلاد، قد ذكر في بيان مطلع العام الجاري أن مجموع المعتقلين في السجون الحكومية بلغ 38 ألف معتقل من الرجال، وأكثر من 900 من النساء، مؤكداً أن وزارة العدل تحجب البيانات الرسمية عن الرأي العام والمنظمات الحقوقية الدولية والمحلية، بسبب سوء ظروف الاحتجاز، وتفشي الأمراض الخطيرة، والإهمال الطبي.