حاول النظام السوري وحلفاؤه الضغط على وفد المعارضة السورية في جنيف، من خلال ارتكاب المجازر بحق المدنيين في عموم البلاد، في مسعى منه لانتزاع تنازلات سياسية من المعارضة، أو دفعها إلى تعليق مشاركتها في المفاوضات للظهور بمظهر المعطل للمسار السياسي أمام المجتمع الدولي. وقد قُتل وأصيب العشرات من المدنيين السوريين، منذ بدء الجولة الرابعة من مفاوضات جنيف الخميس الماضي، بغارات الطيران الروسي، ومقاتلات النظام، الذي لم تتوقف محاولات قواته المدعومة بمليشيات إيرانية، لاقتحام أحياء تسيطر عليها المعارضة السورية على تخوم العاصمة دمشق الشمالية الشرقية. وكانت مدينة أريحا في ريف إدلب شمال غربي سورية، الهدف الأبرز للطيران الروسي، ومقاتلات النظام على مدى يومين، ما أدى إلى مقتل وإصابة العشرات بينهم أطفال، ونساء.
في هذا السياق، قال الناشط الإعلامي جابر أبو محمد لـ "العربي الجديد"، إن "الطيران الحربي الروسي، قصف مدينة أريحا عند الساعة الثالثة من فجر الاثنين بأربع صواريخ ارتجاجية، ما أدّى لمقتل 13 مدنياً بينهم سبعة أطفال وامرأتان، إضافة الى إصابة العشرات"، مشيراً إلى أن "القصف أدّى لدمار هائل في البنى التحتية، وتسبب بحالة رعب بين المدنيين".
من جانبه، ذكر الدفاع المدني السوري، أن "فرق الإنقاذ استمرّت في انتشال الجثث من تحت الأنقاض في أريحا حتى صباح الاثنين، بسبب الدمار الكبير الذي خلّفه القصف". وذكرت مصادر محلية أن "الصواريخ الروسية أدت إلى انهيار ثلاثة أبنية فوق ساكنيها، وهو ما أدى إلى سقوط عدد كبير من المدنيين قتلى ومصابين"، مشيرةً إلى أنه "تمّ توثيق مقتل 36 مدنياً في مدينة أريحا خلال ثلاثة أيام، وأكثر من 60 مصاباً، وأن المدينة بدأت تشهد حالة نزوح خشية تصاعد القصف الجوي خلال الأيام المقبلة".
وجاءت مجزرة فجر أمس الاثنين، بعد يومين من مجزرة مماثلة ارتكبتها طائرات النظام في نفس المدينة، فقُتل 16 مدنياً في أريحا إثر غارات كثيفة، استهدفت سوقاً شعبياً وأحياء في المدينة، تسيطر عليها المعارضة منذ عام 2015.
في غضون ذلك، شنّت طائرات النظام أمس سلسلة غاراتٍ على أطراف بلدتي ترملا ومعرة حرمة في ريف إدلب الجنوبي، من دون ورود أنباء عن إصابات. وأصدرت "مديرية التربية والتعليم في محافظة إدلب" التابعة للمعارضة قراراً، بتعليق الدوام المدرسي للطلاب، في مدينتي أريحا وإدلب لمدّة ثلاثة أيام، وذلك "للحفاظ على سلامة الطلّاب من القصف العنيف" الذي يستهدف المدينتين.
في موازاة ذلك، لا تزال قوات النظام، ومليشيات إيرانية، تواصل محاولة إخضاع الغوطة الشرقية، وأحياء برزة، والقابون، وتشرين على أطراف العاصمة دمشق الشمالية الشرقية، ضاربة بعرض الحائط اتفاق التهدئة الذي وُقّع في العاصمة التركية أنقرة بضمانة تركية روسية ونال دعم مجلس الأمن الدولي، ويأمل المجتمع الدولي أن يساعد في التوصل لحل سياسي. وأفاد ناشطون في الغوطة الشرقية، أن "ستة مدنيين قُتلوا الاثنين، وأصيب آخرون بقصف مدفعي كثيف من قوات النظام استهدف بلدة المرج في الغوطة الشرقية".
وجاء القصف رداً على تصدي فصائل المعارضة المسلّحة لهجوم من قوات النظام، ومليشيات مساندة لها على أطراف بلدة حزرما التابعة لمنطقة المرج في الغوطة الشرقية. وتعرّضت مدينة دوما لغارتين جويتين، ما أدى لسقوط جرحى في صفوف المدنيين وفق ما أعلن الدفاع المدني في الريف الدمشقي.
وأفاد مصدر في "المكتب الإعلامي لحي برزة الدمشقي" لـ "العربي الجديد"، أن "طائرات النظام الحربية شنّت سلسلة غاراتٍ جوية على منازل المدنيين في حي القابون، شرق العاصمة، وحيي برزة وتشرين المتاخمين له"، مشيراً إلى أن "الطيران قصف عن طريق الخطأ حاجزاً لقواته على أطراف حي القابون ما أدّى لوقوع إصابات في صفوف قوات النظام".
وتزامن القصف مع محاولة قوات النظام اقتحام حي بساتين برزة لليوم الثاني على التوالي مدعومةً بالدبّابات والعربات الثقيلة، ولكن فصائل المعارضة المسلّحة أفشلت الهجوم إثر اشتباكات عنيفة اندلعت صباح أمس على مداخل الحي.