05 نوفمبر 2018
المبتهجون بانسحاب أميركا من الاتفاق النووي
عبر وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، قبل ثلاثة أعوام، عن شعور بلاده "بالارتياح إزاء اتفاق إيران النووي"، وقال إن "الاتفاق سيسهم في الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط". وكان ذلك عقب زيارة الملك سلمان واشنطن بعد شهرين من توقيع الاتفاق. وبعد ثلاث سنوات، عبرت الرياض عن ابتهاجها عقب قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، انسحاب بلاده من الاتفاق الموقع بين إيران والدول الست الكبرى.
ويضاف موقف بعض الدول المبتهجة بانسحاب واشنطن من الاتفاق النووي إلى سلسلة طويلة من سوء التقديرات التي لا تسهم إلا في تعميق هوة الخلافات بين دول المنطقة وشعوبها. ويتناسى حكام عرب أن فرض العقوبات على دولة هو الاستثناء وليس القاعدة في علاقات الدول. وبعد نجاح الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، ناصبها العرب وأميركا وإسرائيل العداء. ثم تحولت إيران لتبني نموذج سياسة خارجية مزعج مع سعيها إلى نشر الثورة خارج حدودها، ثم تورّطت طهران في حرب سنوات طويلة مع العراق، راح ضحيتها أكثر من مليون شخص وخسرها الطرفان. ومع تعقد مشهد العلاقات الإيرانية الغربية، ووصولها إلى فرض عقوبات غير مسبوقة في التاريخ، وهو ما نال مباركة رسمية عربية، لجأت إيران إلى لعب دور المخرب في قضايا المنطقة. واعتقد الرئيس السابق باراك أوباما أن انفتاح بلاده على إيران جزء من جهد أوسع لإرساء الاستقرار في المنطقة، ويرى في التراجع الإيراني عن امتلاك سلاح نووي ما يعد مكسبا لحلفاء واشنطن من العرب. ثم جاء الرئيس ترامب الذي يتبنّى سياسات مخالفة لكل ما قام به سلفه أوباما، وبسذاجة متكرّرة يعتقد بعض حكام الخليج أن لبلادهم مصلحة في انهيار الاتفاق النووي مع إيران. وفيما سيؤدي انسحاب واشنطن منه إلى ارتفاع نفقات التسليح لدى بلدان الخليج العربي، فإن تعقيدات خرائط الصراع في المنطقة وخطورتها تستدعي أكثر من شراء مزيد من الأسلحة، فهي تتطلب تفكيرا مبتكرا من "خارج صندوق البيروقراطيات السياسية والعرقية والطائفية". تستدعي تفكيرا يلزمنا، نحن العرب، مع جيراننا من الأتراك والإيرانيين والأكراد بالجلوس على مائدة تفاوض تسع الجميع للبحث في مستقبل أوطانٍ لن تختفي شعوبها، عوضا عن تكليف الآخرين برسم خرائط المستقبل، كما رسموا خرائط الماضي بدماء أبناء شعوب المنطقة.
وتؤمن الرياض بوجود قلق متزايد معلن يتخطى مخاطر حصول إيران على سلاح نووي. وتعد تطورات الأوضاع الجيو ــ استراتيجية في الشرق العربي ردة للدول العربية ولمصالحها الحيوية. ويؤمن العرب أن إيران هي اللاعب الأهم والقوة المهيمنة لكل ما جرى ويجرى في سورية واليمن، ويؤمنون أيضا أن إيران تدير المشهد السياسي في العراق. ولا يختلف الحال كثيرا في ما يتعلق بلبنان عن طريق الرعاية الإيرانية لحزب الله. وقد أدى توقيع الاتفاق النووي، ثم انسحاب أميركا منه، إضافة إلى استمرار ما تشهده دول مجلس التعاون الخليجي من انشقاقات غير مسبوقة وعداء بين السعودية والإمارات، ومعهما البحرين ومصر، من جانب وقطر من جانب آخر، إلى ارتفاع نفقات التسليح لدى بلدان الخليج العربي. هذا في وقت تستدعي فيه تعقيدات خرائط الصراع وخطورتها في المنطقة أكثر من شراء مزيد من الأسلحة، وهو ما يبدو غير متوفر عند من يديرون السياسة الخليجية العربية.
ويذكر أن ترامب، في مؤتمره الصحافي مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قبل أسبوعين في البيت الأبيض، لم ينس إهانة الدول الخليجية الغنية مرة أخرى، ما يضاف إلى قائمة طويلة من مسلسل إهانات طويل منذ ظهوره على الساحة السياسية قبل أقل من ثلاثة أعوام. شدّد ترامب على ضرورة أن تتكفل بلدان المنطقة الثرية في الشرق الأوسط بالتكاليف الكبيرة التي تنفقها بلاده لحمايتهم. وقال إن واشنطن أنفقت سبعة تريليونات من الدولارات على حماية بلدان ثرية، وأن إدارته ستستبدل جنودها في المنطقة بجنود تلك الدول. كما قال ترامب إن دولا في المنطقة لم تكن لتبقى أسبوعا من دون الحماية الأميركية!
وها هي الدول التي تعتقد أنها حليفة لترامب تتجمّد أمام قراره الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة إلى المدينة المقدسة. وقد عكست ردود الفعل العربية الرسمية الهزيلة واقعا جديدا، تخيلت بموجبه بعض الأنظمة الحاكمة أن تجاهلها فلسطين وعدم اكتراثها بحقوق الشعب الفلسطيني كفيل بنيل الثناء من حاكم البيت الأبيض غريب الأطوار، وأنه السبيل الأقصر والمباشر لنيل الرضى الأميركي والإسرائيلي معا، خدمة لأهداف ضيقة لا تراعي أي مصالح استراتيجية لشعوبهم أو لمستقبل حكمهم.
لا يعرف حكام العرب واشنطن، على الرغم من تكرار زياراتهم لها، ولا يعرفون ترامب، على الرغم من لقاءاتهم المتكرّرة المصحوبة بمصافحات حارة. ولا أحد يعرف تحديداً من قَصد ترامب عندما تحدث عن دول المنطقة الغنية، قد يكون قصده السعودية وحدها أو قد يكون قصده كل دول مجلس التعاون الخليجي، ما نعرفه أن واشنطن يحكمها رئيسٌ يسعى إلى اغتنام ما يستطيع من ثروات العرب. وما نعرفه أيضاً أن إيران إحدى دول المنطقة، وجدت في الماضي، وستوجد في المستقبل، وليس من الحكمة منح ترامب الغطاء السياسي اللازم لتنفيذ أجنداتٍ لا تكترث بمصالح العرب ولا دمائهم.
ويضاف موقف بعض الدول المبتهجة بانسحاب واشنطن من الاتفاق النووي إلى سلسلة طويلة من سوء التقديرات التي لا تسهم إلا في تعميق هوة الخلافات بين دول المنطقة وشعوبها. ويتناسى حكام عرب أن فرض العقوبات على دولة هو الاستثناء وليس القاعدة في علاقات الدول. وبعد نجاح الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، ناصبها العرب وأميركا وإسرائيل العداء. ثم تحولت إيران لتبني نموذج سياسة خارجية مزعج مع سعيها إلى نشر الثورة خارج حدودها، ثم تورّطت طهران في حرب سنوات طويلة مع العراق، راح ضحيتها أكثر من مليون شخص وخسرها الطرفان. ومع تعقد مشهد العلاقات الإيرانية الغربية، ووصولها إلى فرض عقوبات غير مسبوقة في التاريخ، وهو ما نال مباركة رسمية عربية، لجأت إيران إلى لعب دور المخرب في قضايا المنطقة. واعتقد الرئيس السابق باراك أوباما أن انفتاح بلاده على إيران جزء من جهد أوسع لإرساء الاستقرار في المنطقة، ويرى في التراجع الإيراني عن امتلاك سلاح نووي ما يعد مكسبا لحلفاء واشنطن من العرب. ثم جاء الرئيس ترامب الذي يتبنّى سياسات مخالفة لكل ما قام به سلفه أوباما، وبسذاجة متكرّرة يعتقد بعض حكام الخليج أن لبلادهم مصلحة في انهيار الاتفاق النووي مع إيران. وفيما سيؤدي انسحاب واشنطن منه إلى ارتفاع نفقات التسليح لدى بلدان الخليج العربي، فإن تعقيدات خرائط الصراع في المنطقة وخطورتها تستدعي أكثر من شراء مزيد من الأسلحة، فهي تتطلب تفكيرا مبتكرا من "خارج صندوق البيروقراطيات السياسية والعرقية والطائفية". تستدعي تفكيرا يلزمنا، نحن العرب، مع جيراننا من الأتراك والإيرانيين والأكراد بالجلوس على مائدة تفاوض تسع الجميع للبحث في مستقبل أوطانٍ لن تختفي شعوبها، عوضا عن تكليف الآخرين برسم خرائط المستقبل، كما رسموا خرائط الماضي بدماء أبناء شعوب المنطقة.
وتؤمن الرياض بوجود قلق متزايد معلن يتخطى مخاطر حصول إيران على سلاح نووي. وتعد تطورات الأوضاع الجيو ــ استراتيجية في الشرق العربي ردة للدول العربية ولمصالحها الحيوية. ويؤمن العرب أن إيران هي اللاعب الأهم والقوة المهيمنة لكل ما جرى ويجرى في سورية واليمن، ويؤمنون أيضا أن إيران تدير المشهد السياسي في العراق. ولا يختلف الحال كثيرا في ما يتعلق بلبنان عن طريق الرعاية الإيرانية لحزب الله. وقد أدى توقيع الاتفاق النووي، ثم انسحاب أميركا منه، إضافة إلى استمرار ما تشهده دول مجلس التعاون الخليجي من انشقاقات غير مسبوقة وعداء بين السعودية والإمارات، ومعهما البحرين ومصر، من جانب وقطر من جانب آخر، إلى ارتفاع نفقات التسليح لدى بلدان الخليج العربي. هذا في وقت تستدعي فيه تعقيدات خرائط الصراع وخطورتها في المنطقة أكثر من شراء مزيد من الأسلحة، وهو ما يبدو غير متوفر عند من يديرون السياسة الخليجية العربية.
ويذكر أن ترامب، في مؤتمره الصحافي مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قبل أسبوعين في البيت الأبيض، لم ينس إهانة الدول الخليجية الغنية مرة أخرى، ما يضاف إلى قائمة طويلة من مسلسل إهانات طويل منذ ظهوره على الساحة السياسية قبل أقل من ثلاثة أعوام. شدّد ترامب على ضرورة أن تتكفل بلدان المنطقة الثرية في الشرق الأوسط بالتكاليف الكبيرة التي تنفقها بلاده لحمايتهم. وقال إن واشنطن أنفقت سبعة تريليونات من الدولارات على حماية بلدان ثرية، وأن إدارته ستستبدل جنودها في المنطقة بجنود تلك الدول. كما قال ترامب إن دولا في المنطقة لم تكن لتبقى أسبوعا من دون الحماية الأميركية!
وها هي الدول التي تعتقد أنها حليفة لترامب تتجمّد أمام قراره الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة إلى المدينة المقدسة. وقد عكست ردود الفعل العربية الرسمية الهزيلة واقعا جديدا، تخيلت بموجبه بعض الأنظمة الحاكمة أن تجاهلها فلسطين وعدم اكتراثها بحقوق الشعب الفلسطيني كفيل بنيل الثناء من حاكم البيت الأبيض غريب الأطوار، وأنه السبيل الأقصر والمباشر لنيل الرضى الأميركي والإسرائيلي معا، خدمة لأهداف ضيقة لا تراعي أي مصالح استراتيجية لشعوبهم أو لمستقبل حكمهم.
لا يعرف حكام العرب واشنطن، على الرغم من تكرار زياراتهم لها، ولا يعرفون ترامب، على الرغم من لقاءاتهم المتكرّرة المصحوبة بمصافحات حارة. ولا أحد يعرف تحديداً من قَصد ترامب عندما تحدث عن دول المنطقة الغنية، قد يكون قصده السعودية وحدها أو قد يكون قصده كل دول مجلس التعاون الخليجي، ما نعرفه أن واشنطن يحكمها رئيسٌ يسعى إلى اغتنام ما يستطيع من ثروات العرب. وما نعرفه أيضاً أن إيران إحدى دول المنطقة، وجدت في الماضي، وستوجد في المستقبل، وليس من الحكمة منح ترامب الغطاء السياسي اللازم لتنفيذ أجنداتٍ لا تكترث بمصالح العرب ولا دمائهم.