المالكي يأخذ العراق إلى حافة الهاوية
مرة أخرى، يأتي نوري المالكي، رئيس حكومة العراق، والذي طالما صدّع رؤوس العالم بأنه جاء إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع، يأتي ليؤكد من جديد أن هناك عقليات، لا يمكن التعامل معها إلا بلغة السلاح، لأنها لم تؤمن، يوماً، بصندوق الاقتراع، إلا بالقدر الذي يحقق لها غاياتها وطموحاتها الشخصية، أولاً وأخيراً.
منذ الدورة الانتخابية في العام 2010، وفشل نوري المالكي وائتلافه في الحصول على المركز الأول، بعدما جاء ثانياً خلفاً لقائمة إياد علاوي، الشيعي الذي انتخبه السنة، وما قام به المالكي من عملية التفاف على النتائج، والجميع أدرك، في حينها، أن المالكي يريد أن يلعب دور ديكتاتور بغداد الجديد، وأنه يؤمن بالاقتراع، طالما جاءت به إلى السلطة، وأن أي نتائج خلاف ذلك لا يمكن أن تجد قبولاً عنده.
نشأ المالكي في أحضان حزب دينيٍّ، متطرفٍ في أفكاره الداخلية المحدودة التداول، متسامح ظاهرياً، سعى إلى الاستفادة من بروز ظاهرة الإسلام السياسي، متمثلة بالإخوان المسلمين، فوطّد علاقته مع الإسلاميين السنة، بل كان، في بعض الأحيان، يعتبر الجناح الشيعي للإخوان المسلمين، وهؤلاء، بسذاجةٍ مفرطةٍ، في بعض الأحيان، كانوا يصدقونه، بل إنهم في لحظةٍ فارقة، لم يخفوا مساندتهم إيران الخمينية في حربها على العراق، معتبرين أن ثورة الخميني إسلامية، وحربها على العراق إنما هي حرب على نظام علماني، يعيق تقدم الثورة الإسلامية إلى العالم العربي، والشرح في هذا يطول.
في أكناف هذا الحزب نشأ المالكي، وكان عضواً في فرقة الاغتيالات، وتورد تقارير أنه لعب دوراً في تفجير السفارة العراقية ببيروت عام 1981، وفي سلسلة تفجيرات ضربت الكويت آنذاك، بالإضافة إلى عمليات أخرى.
وإذا كان المالكي قد طرح مرشح تسوية، في لحظة خصام الإخوة الأعداء داخل منظومة البيت الشيعي عام 2006، في أعقاب إصرار السنة والأكراد على عدم التجديد لإبراهيم الجعفري، فإن المالكي لم يترك الأمور تسير بالطريقة نفسها التي سارت مع الجعفري، مستفيداً من وعوده التي قدمها للأميركيين بضرب المليشيات الشيعية والقاعدة، وما جناه في مقابل هذه الوعود من دعم أميركي لامحدود، قبل أن يبدأ المالكي إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، بتقديم كل الدعم للمليشيات الشيعية التي حاربها عامي 2007-2008، مستغلاً الانسحاب الأميركي من العراق في 2010، فكان أن قويت مكانته بدعم المليشيات، وهي التي تقوم، اليوم، عملياً بحماية بغداد من وصول المسلحين إليها، وأيضاً باتت سلاح المالكي المفضل في التخلص من خصومه.
لم تنجح السنوات الثماني وأزيد في تغيير عقلية نوري المالكي، فالرجل بقي وفياً لمبادئ التقية التي تعلمها من الحزب "الدعوة"، حتى قبل أن يعلمه عليها المذهب، فكثيراً ما كان يُظهر شيئاً، ويُضمر خلافه، ولعل أحاديث الساسة العراقيين ممن كانوا على مقربةٍ منه في السنوات التي خلت، تشرح جانباً مهماً من جوانب هذه الشخصية، بل إن بعضاً ممن احتك بهذا الرجل، يحدثك عن مكر في تصرفاته، مكر مجرم وخبث لئيم.
أيضاً، لم يتمكن المالكي من التخلص من عقلية ابن المعارضة، المعارضة المسلحة والسياسية، فهو جرب الاثنتين، فصار يحكم العراق بطريقة المعارض الذي يعيش هاجس المؤامرات والدسائس، إلى الحد الذي كان يصنعها، ليفشلها تصديقاً لأوهامه، وربما كلمة المؤامرة كانت أكثر كلمة رددها المالكي في سني حكمه الماضية.
وفشل المالكي في التخلص من طائفيته التي تربى عليها حزبياً، فكان صريحاً وواضحاً في التعبير عن ذلك، عندما قال إنه شيعي عراقي عربي، في احد حواراته مع صحيفة أميركية. كذلك فشل في التخلص من عقدة الماضي الفقير المعدم، فهو عاش شطراً كبيراً من حياته في سورية، بائعاً للسلع البسيطة، وكان يفتقد حتى لأبسط متطلبات الحياة.
ومن يعرفه في الشام يتذكر، جيداً، كيف كان يستدين في بعض الأحيان ليأكل. وعلى الرغم من أن ذلك لا يعيب إنساناً، إلا أن هذه الخلفية الفقيرة جعلته يشعر، دوماً، بحاجته إلى المال، وهذا ما يفسر هذا الجشع والفساد الذي ضرب العراق عقب الاحتلال، وكيف أن المالكي نفسه تستر على وزراء فاسدين، مثل عبد الفلاح السوداني، وزير التجارة في ولايته الأولى، والذي تمكن، وهو من حزب الدعوة الذي يترأسه المالكي، من الخروج من السجن، والتوجه إلى المطار ومنه إلى لندن، حيث يعيش هناك بأموال العراقيين التي نذكر تقارير أنها وصلت إلى نحو ثلاثة مليارات دولار.
كان المالكي فاسداً، وتستر على الفاسدين، وربما الحديث عن ثروته سابق لأوانه، حيث ما نشر في هذا الصدد مازال مجرد تكهنات، والأرقام تحتاج إلى من يؤكدها، إلا أن العراق، في عهد المالكي، كان الأكثر فساداً في العالم، وفقا لتقارير وتصنيفات منظمة الشفافية العالمية، وهي مرتبة ما كان للعراق أن يصل إليها، لو كان رأس النظام غير فاسد.
في المحصلة، تقود هذه الشخصية، المالكي، المعقدة والمركبة والحاقدة، العراق، اليوم، إلى مصير أسود، فعلى الرغم من المناشدات والمطالب، حتى من حلفائه الشيعة، بالتخلي عن المنصب، إلا أنه مصر على البقاء، وأخذ البلاد والعباد إلى حافة النهاية.