المؤتمر القومي العربي والرد على انفلات الغرائز

21 يونيو 2015

زياد حافظ (الثالث من اليسار) في المؤتمر القومي العربي

+ الخط -
يجيء انتخاب الدكتور زياد حافظ أميناً عاماً للمؤتمر القومي العربي وسط حالة التمزق العربي السائدة، وكأنه بمثابة تصميم على وجوب التأكيد على الفكر القومي العربي، رداً حاسماً ومدروساً على التفكك والشطط والجنون الغرائزي المتفشي في أرجاء الأمة. فالاقتتال العبثي الحاصل في عدد من أقطار الأمة، كان لا مفر من أن يستولد صحوةً، أو عودة إلى الحضن القومي، ولو على سبيل التحدي، لعله يكون بمثابة مبادرة لاسترجاع شرعية المؤتمر القومي العربي ونجاعته، كمساهمة في استئناف عملية تصويب البوصلة. فمثل هذه العودة توفر الآلية لاستعادة عناصر مسيرة العمل القومي، باتجاه التأكيد على أن العروبة مواطنة، لا فرق تحت سقفها بين الطوائف والمذاهب والولاءات الضيقة المتزمتة. 
ما تعنيه شعوبنا العربية في كثير من أقطاره يكاد يجهض كل الإنجازات الفكرية والثقافية والأدبية والحضارية، التي راكمتها المسيرة القومية، كما عطاءات أمتنا، في المجالات الإنسانية الأخرى الفنية والعلمية والسياسية والإنمائية، فالعروبة مواطنة تزيل أولوية العرقية والطائفية والقبلية، وغيرها من الولاءات المحكومة بالتفسخ والتفريق، بل بالنزوع إلى إلغاء الآخر.
الشمولية بما هي فكر مطلق فردي فئوي كانت في جذور الأزمات التي تفاقمت في السنوات الأخيرة. لذلك، يأتي استئناف النشاط الحيوي للمؤتمر القومي العربي خطوة واعدة باتجاه العودة إلى طريق النهوض القومي، فما نراه ونعانيه اليوم من ظلامية وتشتت عميق واستقالةٍ سائدة من الأمل، يمكن البدء في الرد عليه، من خلال العمل القومي العربي، الذي كان هذا المؤتمر أحد تعبيراته المميزة، فمن ميزاته أنه كان ساحة مفتوحة على النقد الذاتي والحوار، كما على المجابهة المستنيرة مع تحديات صعبة كثيرة واجهت الأمة.
كما أن المؤتمر القومي عُرف في تاريخه بأنه أحد جوانب الخطاب القومي، الذي حرص على توفير الأطر التي من شأنها توسيع الأفق القومي بما تستوجبه المتغيرات، مع التأكيد على الثوابت القومية، فإذا كانت الحاجة لمثل هذا الدور ضرورية باستمرار، فإنها، الآن، ماسة في ظلّ الأوضاع السائدة وحالات الاقتتال العبثي، وما تسببت به من تدمير البشر والتاريخ والدول.
لذلك، لا بد للمؤتمر القومي العربي من أن يتحمل مسؤوليته التاريخية في اللحظة الراهنة، ويتصدّى للمناخات السائدة، خصوصاً في جانبها المتشائم، من أجل وقف التدهور المريع، شرطاً لبدء عملية الترميم والتصويب. ومن هنا، فإن تمكين المؤتمر وتعزيز دوره المستنير يكون بإحياء المؤسسات القومية وتنشيطها، مثل مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وبالتالي، تعميم ما أنتجته، وكذلك مؤسسة الدراسات الفلسطينية، كون فلسطين وضرورة تحريرها بمثابة بوصلة رئيسية للعمل القومي.
ولعلّ تجديد العمل القومي من خلال هذا المؤتمر يكون بادرة واعدة في تحريك مؤسسات وفعاليات مدنية وسياسية، لتأسيس خطاب متقدم، يصلح لأن يكون بمثابة الدرع الواقية ضد عصبيات جاهلية مدمرة.
من هنا، يأتي استئناف نشاط المؤتمر القومي في لحظة مفصلية، للتأكيد على أن العروبة هي الواقعية الأصيلة التي تضمن الهوية، وتصحح مفهوم الولاء المستقيم الذي يكفل إقامة السد المنيع في وجه هذا الزحف الظلامي المريع، ووضع حد لحالة التخريب المنفلتة من عقالها. فالأجيال الجديدة لا بد من جذبها لمنارة عروبة حضارية مستنيرة، تمكّن هذه الأجيال من بناء المناعة الواقية مما نراه سائداً في وقتنا الراهن. فهذه من أهم مسؤوليات المؤسسات القومية، مثل المؤتمر القومي العربي الذي نتوسم بأمينه العام الجديد ريادة هذا الدور، في هذه اللحظة التاريخية الدقيقة المرهون بها المصير العربي، وإلى أمد طويل.