المؤتمر السابع لـ"فتح" بلا آمال: ضغوط خارجية ومؤسسات مشلولة

29 نوفمبر 2016
تعديلات لإعطاء القرار لشريحة أوسع داخل الحركة (عصام ريماوي/الأناضول)
+ الخط -
تعقد حركة "فتح"، اليوم الثلاثاء، مؤتمرها السابع، الذي ترغب القيادة الفلسطينية بإعطائه أهمية كبيرة ربما تفوق حجمه الحقيقي، نظراً إلى مستوى الاهتراء السياسي والتنظيمي والفساد الذي يضرب الحالة الفلسطينية عموماً، وفصائل منظمة التحرير خصوصاً، و"رأس حربة" المنظمة، أي حركة فتح بشكل رئيسي. فلا المؤتمر السابع يتوقع منه أن يقدم رؤية نهضوية تقطع سياسياً مع الانحدار غير المسبوق في الأدبيات السياسية الاستسلامية لقيادة رام الله إزاء الاحتلال والانقسام الوطني ومناهضة المقاومة والتمسك بمبدأ "التفاوض من أجل التفاوض" جرياً على مبادئ أوسلو التي تقوم عليها السلطة، هذا من جهة، ومن جهة ثانية، لا يؤمل تنظيمياً أن تستعيد الحركة، بعد مؤتمرها المذكور، تماسكاً حقيقياً في ظل ابتعاد تيارات وطنية عريضة عنها، والمحاولات المستميتة من جانب القيادي الأمني المطرود منها، محمد دحلان، للاستحواذ على الحركة لتكون له مشروعية تضاف إلى الدعم الخارجي، المصري، الإماراتي الأردني، الإسرائيلي خصوصاً، لخلافة الرئيس محمود عباس من جهة ثانية.

رغم كل ذلك، تعوّل قيادة محمود عباس على "تجديد الشرعيات في الحركة وترتيب مؤسساتها، كخطوة أولى نحو ترتيب البيت الفلسطيني". عناوين براقة لا تبدو واقعية بما يكفي للتعويل على الحركة التي بات التنسيق الأمني مع الاحتلال مبدأ رئيسياً في آليات عملها وخياراتها السياسية، في ظل بيروقراطية وفساد يعطلان ما تبقى من آليات اتخاذ القرار المحصور بعدد قليل جداً من الشخصيات المحيطة برئيس السلطة والحركة والدولة، وهو الشخص نفسه طبعاً، أي محمود عباس، الذي لا يزال غير راغب بالتنحي أو بالتحضير لمرحلة خلافته بشكل تنظيمي سلس يسمح بانتخابات "طبيعية". المؤتمر السابع الذي تأخر عامين وثلاثة أشهر عن موعده المفترض حسب النظام الداخلي للحركة، يأتي ضمن ظروف بالغة التعقيد فلسطينياً وعربياً وإقليمياً، إذ تشابكت الخطوط والمصالح بشكل جعل من عقد المؤتمر بحد ذاته إنجازاً، فقد سبقته ضغوط من الرباعية العربية على الحركة ومحاولات للتدخّل في خريطتها الداخلية وفرض دحلان، حتى يعود إلى الساحة السياسية من بوابة "فتح" بشكل "رسمي". لكن عباس واجه هذه الضغوط برفض قاطع، ما يجعل من الصعب تفادي دفع الثمن السياسي مقابل هذا الرفض.

في هذا السياق، أكدت مصادر فتحاوية مطلعة لـ"العربي الجديد"، أن الأردن منع 23 فتحاوياً، هم إقليم الحركة في المملكة، من الحضور إلى الضفة الغربية المحتلة والمشاركة في المؤتمر السابع. مصر أيضاً، التي باتت الحليف الأقوى لدحلان، أكدت لقيادي فتحاوي، اشترط عدم ذكر اسمه، أنه "في حال تم مؤتمر فتح السابع كما أعد له عباس، فإن مصر ستعيد النظر بعلاقتها مع قطاع غزة بشكل كبير"، كما كشف لـ"العربي الجديد". وهذا ما بدأت بوادره في الظهور أصلاً في الأيام القليلة الماضية.

ورأى عضو مؤتمر "فتح" السابع، الكاتب والمحلل بكر أبو بكر، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "فتح حساسة جداً للتدخّلات الخارجية، وهي يمكن أن تتسامح مع الاستبداد الداخلي أحياناً، لكن لا تستطيع أن تتسامح مع التدخّل الخارجي، هذه إشكالية فتح". وأوضح أن "محاولة العرب بأن يكون لهم دور في رسم السياسة الفلسطينية، أو رسم مستقبل النظام السياسي الفلسطيني وحركة فتح، من خلال الرباعية التي حاولت تجاوز دور القيادة القائمة، أو حاولت إعطاءها بعض الاتجاهات، فُهمت من البعض في فتح على أنها إملاءات"، مضيفاً: "في حين أننا نقبل بتدخّل العرب وبدورهم المهم، لكن بإرادتنا، وليس من أجل ضغط طرف على طرف، هذا ما رفضه الرئيس الراحل ياسر عرفات سابقاً. المطلوب أن تكون تدخّلات العرب ناصحة وداعمة وليست متدخلة".

وعُقد آخر مؤتمر لحركة "فتح" في فندق بمدينة بيت لحم عام 2009، وذلك بعد نحو عقدين على آخر مؤتمر عُقد برئاسة عرفات في تونس عام 1988، فيما يعقد المؤتمر السابع في قاعة بمقر رئاسة السلطة الفلسطينية في ما يعرف فلسطينياً بـ"المقاطعة"، وتحت إجراءات أمنية مشددة بدأت منذ أيام، سواء في محيط مبنى الرئاسة أو المقار الأمنية الفلسطينية.
ولا تقل الضغوط الداخلية الفتحاوية أهمية عن الضغوط العربية، ولم تتوقف بل زادت سواء خلال التحضير السريع للمؤتمر الحالي، أو بعد نشر أسماء المؤتمر التي تم تسريبها عبر المواقع الإلكترونية، ما زاد من حالة الاحتقان في الحركة. ومن أبرز هذه الانتقادات هندسة أسماء أعضاء المؤتمر بطريقة انتقائية، ووجود البُعد العائلي في اختيار الأسماء، فإلى جانب وجود عباس كرئيس لحركة "فتح"، برز اسما نجليه في قائمة الأسماء، طارق وياسر، أحدهما عن قطاع رجال الأعمال، والآخر عن قطاع الكفاءات. كما تكررت عشرات الأسماء الأخرى لأزواج وزوجات وأبناء، وأنسباء، ما جعل سهام الانتقادات الحادة تنهال على الحركة من كل صوب، وهذه المرة من أبنائها.

الكاتب والمحلل جهاد حرب، أضاف في حديث لـ"العربي الجديد"، انتقاداً آخر لا يقل أهمية، وشغل جلسات الفتحاويين والنشطاء والرأي العام أيضاً، وهو حسب حرب، أن "90 في المائة من أسماء أعضاء المؤتمر هم من موظفي القطاع العام، أي الذين يتقاضون راتباً من السلطة الفلسطينية، وهذا الأمر يعود إلى أمرين، أولهما أن مشروع السلطة هو مشروع فتح، وثانيهما أن الحركة اندمجت في السلطة وبالتالي اعتمدت عليها في توظيف أبنائها". وجود رئيس حكومة الوفاق الوطني رامي الحمدلله وعدد من وزراء الحكومة في عضوية المؤتمر، كان له نصيبه أيضاً من الانتقادات حول الدلالات التي تحملها مشاركتهم في المؤتمر وهم على رأس عملهم في حكومة الوفاق الوطني.



وبعيداً عن الانتقادات، وفي حين ترى قيادات فتحاوية أن عقد المؤتمر بحد ذاته يُعتبر إنجازاً، في الوقت الذي تعيش فيه "فتح" وفصائل العمل الوطني تراجعاً كبيراً، وفي ظل انسداد الأفق السياسي وتعثر المفاوضات مع الاحتلال الإسرائيلي، تخفض أوساط فتحاوية أخرى من سقف التوقعات المأمولة من المؤتمر. وتعترف بعدم قدرته على حل معضلات أصبح يُنظر لها كأمر واقع، فضلاً عن استحالة أن يُقدّم المؤتمر وصفة جاهزة وإجابات واضحة على أسئلة صعبة على الصعيد الفتحاوي والفلسطيني، على شاكلة ماذا بعد انهيار المفاوضات، وهو المسار الذي اعتمدته "فتح" طيلة السنوات الماضية، وما هو البرنامج السياسي الجديد - البديل للحركة على ضوء التغيّرات الميدانية على الأرض، وماذا عن الوحدة مع حركة "حماس".

وأكدت قيادات فتحاوية وازنة لـ"العربي الجديد"، أن المؤتمر لن يحمل تغييراً جذرياً أو انقلاباً كبيراً في الحركة. من جهته، قال المتحدث الرسمي باسم المؤتمر محمود أبو الهيجا، لـ"العربي الجديد"، إن "المؤتمر لن يحمل اختلافاً جذرياً أو مفاجآت صادمة، ففتح غير ميالة للصخب وهي حركة واقعية في سلوكها"، مضيفاً: "مقدمة البيان السياسي تكاد تكون واحدة، التفاصيل باختلاف اللغة وكيفية التعامل مع الواقع الجديد الذي يعاني من انغلاق الأفق السياسي، وتعثر المفاوضات، وفي الوقت ذاته هناك مبادرات مطروحة، منها الفرنسية". أما القيادي الفتحاوي، عضو المؤتمر قدورة فارس، فقال لـ"العربي الجديد": "لا أعتقد أن المؤتمر يحمل تغييراً عميقاً شاملاً"، مضيفاً: "التغيير مطلوب، وإن كان البعض يعتقد أن المؤتمر مصمم لإعادة إنتاج الحالة نفسها، لكني أعتقد أن كوادر فتح ستفاجئ الجميع وستحدث تغييراً قد لا يكون عميقاً، ولكنه جيد في هذه المرحلة، في ما يتعلق بالبرنامج والأطر التي سيتم انتخابها". وشدد على أن "المطلوب تغيير الأدوات لتنفيذ البرنامج، وقيادة تستطيع تنفيذه، وما يميز فتح تنوع التجارب"، مرجحاً أن "هناك تغييراً في الوجوه، والأهم نريد أطراً قوية وليس أشخاصاً أقوياء".

وأكد فارس أن المؤتمر "سيجيب على أسئلة كبرى، وأهمها من سيتبوأ سدة القيادة، وما هو برنامجنا السياسي والكفاحي والنضالي للمستقبل"، مضيفاً: "بصراحة أوصدت الأبواب تماماً ولا أحد قادر على تصدير وهم للشعب الفلسطيني بأن الاحتلال شريك لعملية سلام تقود لتحقيق أحلام الشعب، هذا سؤال لا يجوز أن ينتهي المؤتمر من دون أن تضع فتح إجابة واضحة غير ملتبسة عنه، الآن الاستحقاق الأكبر هو الإجابة عن هذا السؤال". 
من جهته، رأى أبو بكر أن "البعض ينظر أن المؤتمر قد يغيّر قلب فتح، لكني أعتقد أن العقل الجمعي للحركة قادر على إفراز الصح والمؤهل، هذا من جهة، ومن جهة أخرى لن تقبل فتح أن تُقصي جزءاً من قيادتها التاريخية، وما سيحصل هو تطعيم، أي أن جزءاً من القيادة الحالية سيبقى وسينضم إليه عدد من الإخوة الفتحاويين الجدد سواء في المركزية أو الثوري".

وشدد على أن "الانقلاب الذي نحاول إحداثه، يتلخص بأن يكون المهيمن هو النظام الداخلي والقانون الداخلي وليس الأشخاص، لذلك توجد العديد من التعديلات المقترحة ربما تنجح وربما لا تنجح داخل النظام الداخلي للحركة بهدف إعطاء القرار لشريحة أوسع". ومن أبرز الأفكار المقترحة أن تكون المحكمة الحركية ذات ولاية على قيادة "فتح"، و"هذه أفكار مقدّمة قد تنجح أو لا، وهذا رهن بالمؤتمر"، حسب أبو بكر. وحول المختلف في المؤتمر السابع، قال أبو بكر: "قيادة المؤتمر لن تكون من المرشحين أنفسهم لأي من المواقع، والذي يقود الآلية الانتخابية لن يكون مرشحاً، وهذا يختلف عن المؤتمرات السابقة، فضلاً عن اختلافات ستكون واضحة في اللحظة الأولى وهي خاضعة للكثير من النقاش من أعضاء المؤتمر".

المساهمون