02 نوفمبر 2024
اللّغز الإغريقي
راجت، إلى عهد قريب، فكرة الانبثاق الذاتي للفلسفة اليونانية، من دون مقدمات أو آباء. فالحضارة اليونانية، كما هو شائع، ظهرت قبل نحو 800 سنة قبل الميلاد، ثم فجأة، انبثق طاليس وزينون في الفلسفة، وهسيود في الأدب، وهوميروس في الشعر الملحمي، وسافو في الشعر الذاتي، وهيرودوت في التاريخ. واللافت أن اليونان بلاد جُزُرية بركانية متناثرة، وبلا أي حضارةٍ سابقة، وكان ذلك لغزاً يجب حلّه. وفي ما بعد، راح يظهر أثر العوامل التفاعلية التي أدت إلى "انبثاق" طاليس في القرن السادس قبل الميلاد، والذي به تؤرّخ بداياتُ التفلسف. وكان واضحاً جداً أثر السوريين القدامى والمصريين والبابليين في هذا الانبثاق. والمعروف أن الجزر اليونانية غمرتها عصور الظلام طوال ثلاثة قرون، بعد اندثار الحضارة المسينية في سنة 1200 ق.م. وفي تلك الأثناء، هاجر اليونانيون إلى سورية (الأناضول وفينيقيا)، وأسسوا بعض المستعمرات البشرية فيها، وتفاعلوا مع سكان البلاد، وراح الفنانون يحاكون الفن الفينيقي. أما اليونانيون الذين ظلوا في الجزر اليونانية فعاشوا كأقوام بدائية، إلى أن وصل إليها التجار السوريون غداة الغزو الفارسي لسوريا في القرن الخامس قبل الميلاد. ونقل هؤلاء معهم الأبجدية الأوغاريتية (أبجد ABCD أو ألفابيتا غاما، كلمن KLMN، وقرشت QRST). وعندما خضع الساحل السوري لحكم الأشوريين، في القرن الثامن قبل الميلاد، هاجر كثير من الصُنّاع السوريين إلى اليونان، وعلّموا أهلها الفنون والرسم وصنع التماثيل. وفي الوقت نفسه، عاد يونانيون كثيرون من المستوطنات إلى بلادهم الأصلية، وبدأت المدن تظهر، مثل أثينا وأرغوس وطيبة وإسبارطة وكورنثيا.
يكاد المؤرخون يتفقون على أن الحضارة اليونانية بدأت بالظهور التدريجي، حين أعاد الفينيقيون ربط خطوط التجارة بين الشرق الأدنى القديم وبلاد اليونان. وساهم في هذا الربط الهكسوس السوريون الذين طردوا من مصر، فجاءوا إلى اليونان. والهكسوس، أو الملوك الرعاة، أدخلوا العربة التي تجرّها الجياد إلى مصر، وصورة رعمسيس على ظهر العربة ذات العجلتين ليست فناً مصرياً، بل هكسوسياً، كما أن مسرحية "الضارعات" لإسخيلوس هي وصف لمجيء دانوس الهكسوسي مع بناته إلى أرغوس الإغريقية. والهكسوس هم الذين أدخلوا السيف إلى كريت، والسيف باليونانية Xiphos مثل العربية تماماً. ولفظة Sema اليونانية تعني علامة، ولعلها تسربت إلى العربية، أو من العربية إلى اليونانية (سيماؤهم في وجوههم). وكلمة "حراء" (غار حراء) تطابق كلمة "هيرا" زوجة زيوس. أما مدينة يثرب فكانت تسمى في إحدى المراحل ثيبة، أو طيبة. وهناك حديث في صحيح البخاري يقول: "بلغنا مشارف طيبة، ولن يدخلها الطاعون أبداً"، الأمر الذي يذكّرنا بطيبة والطاعون في أسطورة أوديب. وأوديب هو نفسه أخناتون الذي عاش طفولته في مدينة قرقميش التي هي اليوم جرابلس القريبة من حلب (أنظر: إيمانويل فلايكوفسكي، أوديب وأخناتون، القاهرة، دار الكتاب العربي، د.ت.).
أبجدية الإغريق هي أبجدية أوغاريت التي تطوّرت من المسمارية السومرية، ثم عُدلت بالإضافة. وكل ما فعله قدموس الذي يُعتقد أنه نكديموس الثاني، ملك أوغاريت الذي اضطر إلى مغادرتها بعد زلزالٍ دمرها، هو أنه نقل هذه الأبجدية إلى اليونان. لنتذكّر أن أوغاريت تعني غوبلو Gublo، وأن جبيل هي Gubla، وهي تقع في النطاق الحضاري لأوغاريت. ومهما يكن الأمر، فإن طاليس نفسه فينيقي (أو سوري قديم) على غرار فيثاغورس (صيدا) ولوقيان (من سميساط في شمال سوريا) وهيرودوت (كيليكيا) وأوفيد. أما أنتيباتر فهو من هيرابوليس (منبج اليوم) وهوميروس وسافو سوريان، وفرفوريوس (صور). ولأن الفينيقيين لم يشتهروا، على الإطلاق، في الفنون والمسرح والأدب والفلسفة والدين، فيمكن الاستنتاج أن الذين أسّسوا بدايات الحضارة في اليونان، مهما تكن أصولهم السورية، صاروا جزءاً من ثقافة الإغريق التي منحتهم سماتها الخاصة، فتلاشى الأصل الحضاري القديم.
يكاد المؤرخون يتفقون على أن الحضارة اليونانية بدأت بالظهور التدريجي، حين أعاد الفينيقيون ربط خطوط التجارة بين الشرق الأدنى القديم وبلاد اليونان. وساهم في هذا الربط الهكسوس السوريون الذين طردوا من مصر، فجاءوا إلى اليونان. والهكسوس، أو الملوك الرعاة، أدخلوا العربة التي تجرّها الجياد إلى مصر، وصورة رعمسيس على ظهر العربة ذات العجلتين ليست فناً مصرياً، بل هكسوسياً، كما أن مسرحية "الضارعات" لإسخيلوس هي وصف لمجيء دانوس الهكسوسي مع بناته إلى أرغوس الإغريقية. والهكسوس هم الذين أدخلوا السيف إلى كريت، والسيف باليونانية Xiphos مثل العربية تماماً. ولفظة Sema اليونانية تعني علامة، ولعلها تسربت إلى العربية، أو من العربية إلى اليونانية (سيماؤهم في وجوههم). وكلمة "حراء" (غار حراء) تطابق كلمة "هيرا" زوجة زيوس. أما مدينة يثرب فكانت تسمى في إحدى المراحل ثيبة، أو طيبة. وهناك حديث في صحيح البخاري يقول: "بلغنا مشارف طيبة، ولن يدخلها الطاعون أبداً"، الأمر الذي يذكّرنا بطيبة والطاعون في أسطورة أوديب. وأوديب هو نفسه أخناتون الذي عاش طفولته في مدينة قرقميش التي هي اليوم جرابلس القريبة من حلب (أنظر: إيمانويل فلايكوفسكي، أوديب وأخناتون، القاهرة، دار الكتاب العربي، د.ت.).
أبجدية الإغريق هي أبجدية أوغاريت التي تطوّرت من المسمارية السومرية، ثم عُدلت بالإضافة. وكل ما فعله قدموس الذي يُعتقد أنه نكديموس الثاني، ملك أوغاريت الذي اضطر إلى مغادرتها بعد زلزالٍ دمرها، هو أنه نقل هذه الأبجدية إلى اليونان. لنتذكّر أن أوغاريت تعني غوبلو Gublo، وأن جبيل هي Gubla، وهي تقع في النطاق الحضاري لأوغاريت. ومهما يكن الأمر، فإن طاليس نفسه فينيقي (أو سوري قديم) على غرار فيثاغورس (صيدا) ولوقيان (من سميساط في شمال سوريا) وهيرودوت (كيليكيا) وأوفيد. أما أنتيباتر فهو من هيرابوليس (منبج اليوم) وهوميروس وسافو سوريان، وفرفوريوس (صور). ولأن الفينيقيين لم يشتهروا، على الإطلاق، في الفنون والمسرح والأدب والفلسفة والدين، فيمكن الاستنتاج أن الذين أسّسوا بدايات الحضارة في اليونان، مهما تكن أصولهم السورية، صاروا جزءاً من ثقافة الإغريق التي منحتهم سماتها الخاصة، فتلاشى الأصل الحضاري القديم.