23 فبراير 2022
اللعب بالشرعية
هذه الأيام يحدث خلط كبير لدى العامة في فهم مصطلح الشرعية بمصر، حتى أن المتمسكين بها صاروا لا يميزون بين الدفاع عن شرعية الراحل محمد مرسي كرئيس منتخب منقلب عليه، وبين الشرعية التي رفعته إلى هذا المنصب..
ويرجع السبب في هذا إلى تقصير نخب مناصريها في وضع تعريف واضح لها، وللدور الذي قامت به القوى المدنية من تشويه للمفاهيم عبر قبولها الإعلامي، فعلى سبيل المثال، احتكرت هذه القوى الصفة المدنية ونفتها عن الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية وألصقت بها صورة كهنوتية، وأطلقت على أعضائها مصطلح (الإسلاميون) وكأنهم عضو غريب على نسيج المجتمع، واتهمتهم بالرغبة في تغيير هوية مصر التي هي دولة ذات أغلبية مسلمة كاسحة؛ واتهمتهم بفرض مفهومهم للدين بينما هي تقاتل لإجبار الجميع على الرضوخ لمفهومها الخاص!
تساوي هذه القوى بين جماعة الإخوان رفيقتها في ميدان ثورة يناير وبين الجيش، وتطالب الطرفين بالانسحاب من المشهد السياسي، متجاهلة أن الشعب هو الذي اختار الإخوان، الذين هم جزء من الشعب في خمس استحقاقات انتخابية شهد لها العالم كله بالشفافية والنزاهة؛ وأن الجيش مؤسسة قلبت نظام الحكم وفرضت نفسها كأمر واقع تحت تهديد السلاح.
لم تبدأ أزمة الشرعية اليوم، بل بدأت عندما عينت القوى المدنية نفسها كمراقب على المرشح الرئاسي محمد مرسي قبيل جولة انتخابه الثانية عبر توقيعه على وثيقة تلزمه ببنود قالت إنها لطمأنتها، لم تلتزم القوى المدنية نفسها بالوثيقة، ولم تتعاون، وبالتالي لم يكن مرسي مضطرا للالتزام، طالما أن هناك شعبا سيضع دستورا ويقرر، خصوصاً حينما دقت تلك القوى طبول معركة تكسير عظام، من اعتصام دائم في ميدان التحرير وانتخاب مجلس رئاسي كل أسبوع، وبرامج ساخرة حد الوقاحة، وأخرى لـ"التوك شو" تحمل أخبارا كاذبة عن قوانين لتزويج القاصرات وبيع لقناة السويس والأهرامات، إلى حل لجنة وضع الدستور وحل مجلس الشعب، وشيطنة مرسي لإعلان دستوري واحد أراد به حماية اللجنة الدستورية الثانية، وأخيراً، لم يستجيبوا لدعوات الرئيس لحضور جلسات توافق أعلن موافقته المسبقة على كل نتائجها، لأنهم كانوا قد اتخذوا قرار إزاحته منذ وصوله إلى الحكم.
لا تعترف القوى المدنية إلى اليوم بالشرعية الديمقراطية التي أكسبها الشعب للرئيس مرسي، وتعتبر أن هذا كان خطأ في مسار ثورة يناير واجب عليهم تصحيحه؛ إن مطالبتها بانتخابات رئاسية مبكرة لم تكن إلا غطاء شفافا مهترئا لانقلاب عسكري تم الاتفاق عليه؛ ظهر الموقعون أدناه في مشهد انقلابي مفجع، جمع قيادات الجيش مع القوى المدنية بشيخ الأزهر وبابا الكنيسة. لم يكن ذلك تصحيحا بل خيانة مروعة لثورة نادت بحرية وديمقراطية. وضعت هذه القوى يدها وهي بكامل قواها العقلية في يد الجيش وغمساها معا في دماء المصريين بمباركة دولية.
لا يمكن أن نعتبر أن هذه القوى خدعت كما تحب أن تروج لتتنصل من توابع الانقلاب، فلا أظنهم يجهلون ماذا يحدث عندما لا يحافظ الثوار على مكتسباتهم، أو عندما يتعاونون ويحملون فوق الأكتاف جيشا ثاروا عليه!
طمحت القوى المدنية في دستور يمثلها بعد الانقلاب، فمنيت بفشل مركب حين اكتشفت أن الجيش لا يسمح لأحد بمشاركته، فأكملت مسيرتها بمحاولات إسقاط للسيسي قائد الانقلاب، عبر قنوات تلفزيونية ممولة موجهة لأنصار شرعية مرسي بالأخص، تغير من خلالها مفهوم الشرعية لدى المنادين بها وتم حصره في شخص الرئيس مرسي، بحيث أنه يسقط بموت الرجل، وهذا ما حدث بالفعل.
ظهر المقاول محمد علي في حديث له على قناة الجزيرة سعيدا بحوار دار بينه وبين نائب مرشد الإخوان إبراهيم منير، لأن الأخير أخبره أن الشرعية عادت للشعب وهذا ما نص عليه بيان صادر عن الجماعة. قصد منير أنه إن كان مرسي قد مات، فإن حق الشعب في الاختيار الحر دون تقييد ما زال قائما؛ فسر علي كلامه بمعنى أن الإخوان قد تراجعوا وقبلوا محو الفترة من 2012 إلى 2019، وهذا غير صحيح.
إن كانت القوى المدنية ترى حقا أنها تريد أن تعيد الشرعية للشعب، فهل ستقبل بإخواني آخر منتخبا بطريقة ديمقراطية على رأس الدولة سواء كان رئيسا في نظام رئاسي أو رئيس وزراء في نظام برلماني؟ لا أظن أن قوى دعمت انقلابا دمويا ستسمح لإخواني أصيل بالصعود.
إن ما تقدمه القوى المدنية هي محاولات لتحديد أطر اختيارات الشعب لتتجاوز فشلها في يناير ويونيو، بوضع شروط مسبقة تحول دون وصول أحزاب ذات مرجعية إسلامية مؤثرة لمناصب حساسة، وتعتمد على أن الشعب سيوقع بالموافقة دون أن يقرأ شروط الخصوصية أملا في الخلاص.
إن ما يحدث اليوم هو استكمال لانقلاب الأمس الذي كان سطوا مسلحا على إرادة الشعب، أما برنامج ما بعد السيسي الذي لم يعلن من هم القائمون عليه والذي يعتبر محمد علي مجرد واجهة له، هو ذبح لها. إن الشرعية ليست محمد مرسي وليست الإخوان، إنها الإرادة الشعبية التي أتت بهما. إن الشرعية هي حق الاختيار (الحر).
ويرجع السبب في هذا إلى تقصير نخب مناصريها في وضع تعريف واضح لها، وللدور الذي قامت به القوى المدنية من تشويه للمفاهيم عبر قبولها الإعلامي، فعلى سبيل المثال، احتكرت هذه القوى الصفة المدنية ونفتها عن الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية وألصقت بها صورة كهنوتية، وأطلقت على أعضائها مصطلح (الإسلاميون) وكأنهم عضو غريب على نسيج المجتمع، واتهمتهم بالرغبة في تغيير هوية مصر التي هي دولة ذات أغلبية مسلمة كاسحة؛ واتهمتهم بفرض مفهومهم للدين بينما هي تقاتل لإجبار الجميع على الرضوخ لمفهومها الخاص!
تساوي هذه القوى بين جماعة الإخوان رفيقتها في ميدان ثورة يناير وبين الجيش، وتطالب الطرفين بالانسحاب من المشهد السياسي، متجاهلة أن الشعب هو الذي اختار الإخوان، الذين هم جزء من الشعب في خمس استحقاقات انتخابية شهد لها العالم كله بالشفافية والنزاهة؛ وأن الجيش مؤسسة قلبت نظام الحكم وفرضت نفسها كأمر واقع تحت تهديد السلاح.
لم تبدأ أزمة الشرعية اليوم، بل بدأت عندما عينت القوى المدنية نفسها كمراقب على المرشح الرئاسي محمد مرسي قبيل جولة انتخابه الثانية عبر توقيعه على وثيقة تلزمه ببنود قالت إنها لطمأنتها، لم تلتزم القوى المدنية نفسها بالوثيقة، ولم تتعاون، وبالتالي لم يكن مرسي مضطرا للالتزام، طالما أن هناك شعبا سيضع دستورا ويقرر، خصوصاً حينما دقت تلك القوى طبول معركة تكسير عظام، من اعتصام دائم في ميدان التحرير وانتخاب مجلس رئاسي كل أسبوع، وبرامج ساخرة حد الوقاحة، وأخرى لـ"التوك شو" تحمل أخبارا كاذبة عن قوانين لتزويج القاصرات وبيع لقناة السويس والأهرامات، إلى حل لجنة وضع الدستور وحل مجلس الشعب، وشيطنة مرسي لإعلان دستوري واحد أراد به حماية اللجنة الدستورية الثانية، وأخيراً، لم يستجيبوا لدعوات الرئيس لحضور جلسات توافق أعلن موافقته المسبقة على كل نتائجها، لأنهم كانوا قد اتخذوا قرار إزاحته منذ وصوله إلى الحكم.
لا تعترف القوى المدنية إلى اليوم بالشرعية الديمقراطية التي أكسبها الشعب للرئيس مرسي، وتعتبر أن هذا كان خطأ في مسار ثورة يناير واجب عليهم تصحيحه؛ إن مطالبتها بانتخابات رئاسية مبكرة لم تكن إلا غطاء شفافا مهترئا لانقلاب عسكري تم الاتفاق عليه؛ ظهر الموقعون أدناه في مشهد انقلابي مفجع، جمع قيادات الجيش مع القوى المدنية بشيخ الأزهر وبابا الكنيسة. لم يكن ذلك تصحيحا بل خيانة مروعة لثورة نادت بحرية وديمقراطية. وضعت هذه القوى يدها وهي بكامل قواها العقلية في يد الجيش وغمساها معا في دماء المصريين بمباركة دولية.
لا يمكن أن نعتبر أن هذه القوى خدعت كما تحب أن تروج لتتنصل من توابع الانقلاب، فلا أظنهم يجهلون ماذا يحدث عندما لا يحافظ الثوار على مكتسباتهم، أو عندما يتعاونون ويحملون فوق الأكتاف جيشا ثاروا عليه!
طمحت القوى المدنية في دستور يمثلها بعد الانقلاب، فمنيت بفشل مركب حين اكتشفت أن الجيش لا يسمح لأحد بمشاركته، فأكملت مسيرتها بمحاولات إسقاط للسيسي قائد الانقلاب، عبر قنوات تلفزيونية ممولة موجهة لأنصار شرعية مرسي بالأخص، تغير من خلالها مفهوم الشرعية لدى المنادين بها وتم حصره في شخص الرئيس مرسي، بحيث أنه يسقط بموت الرجل، وهذا ما حدث بالفعل.
ظهر المقاول محمد علي في حديث له على قناة الجزيرة سعيدا بحوار دار بينه وبين نائب مرشد الإخوان إبراهيم منير، لأن الأخير أخبره أن الشرعية عادت للشعب وهذا ما نص عليه بيان صادر عن الجماعة. قصد منير أنه إن كان مرسي قد مات، فإن حق الشعب في الاختيار الحر دون تقييد ما زال قائما؛ فسر علي كلامه بمعنى أن الإخوان قد تراجعوا وقبلوا محو الفترة من 2012 إلى 2019، وهذا غير صحيح.
إن كانت القوى المدنية ترى حقا أنها تريد أن تعيد الشرعية للشعب، فهل ستقبل بإخواني آخر منتخبا بطريقة ديمقراطية على رأس الدولة سواء كان رئيسا في نظام رئاسي أو رئيس وزراء في نظام برلماني؟ لا أظن أن قوى دعمت انقلابا دمويا ستسمح لإخواني أصيل بالصعود.
إن ما تقدمه القوى المدنية هي محاولات لتحديد أطر اختيارات الشعب لتتجاوز فشلها في يناير ويونيو، بوضع شروط مسبقة تحول دون وصول أحزاب ذات مرجعية إسلامية مؤثرة لمناصب حساسة، وتعتمد على أن الشعب سيوقع بالموافقة دون أن يقرأ شروط الخصوصية أملا في الخلاص.
إن ما يحدث اليوم هو استكمال لانقلاب الأمس الذي كان سطوا مسلحا على إرادة الشعب، أما برنامج ما بعد السيسي الذي لم يعلن من هم القائمون عليه والذي يعتبر محمد علي مجرد واجهة له، هو ذبح لها. إن الشرعية ليست محمد مرسي وليست الإخوان، إنها الإرادة الشعبية التي أتت بهما. إن الشرعية هي حق الاختيار (الحر).