يراقب زياد عبد الله بانزعاج شديد الانهيار المالي في لبنان يهدد المدخرات التي أمضى 25 عاما من حياته في تكوينها في حسابه بالدولار. في البداية قام مصرفه اللبناني بتخفيض السحوبات بالدولار، ثم أوقفها تماماً. والآن أصدر المصرف المركزي تعميماً بأن تكون أي سحوبات بالليرة اللبنانية المنهارة بسعر صرف سيكبده خسائر على الأرجح.
وقال عبد الله وهو صاحب متجر عاد إلى لبنان من الخارج بعد الحرب الأهلية التي استمرت من 1975 حتى 1990 إن هذا "يعني مصادرة الأموال". وظل لبنان يفخر لزمن طويل بالاستقرار المصرفي حتى في أشد الأوقات اضطراباً.
لكن هذا الركن الأساسي في الاقتصاد اللبناني اهتز من الجذور، مع اتساع نطاق المشاكل الاقتصادية القائمة منذ زمن وتصاعد الدين العام لتتفجر أزمة مصرفية شاملة حتى قبل أن يضرب فيروس كورونا المستجد ضربته. وكان سعر الصرف الضحية الأكبر لهذا.
فقد ظلت العملة اللبنانية مربوطة عند سعر 1500 ليرة للدولار منذ عام 1997، وهو ما كان يضمن استخدام الليرة والدولار على نطاق واسع. كما أعطى اللبنانيين في المهجر الثقة لإعادة رأس المال إلى الوطن، وتكوين الودائع التي ساعدت في تمويل الدولة.
ولا يزال الربط الرسمي معمولاً به بالنسبة لبعض السلع الأساسية، ولكن قيمة العملة تراجعت إلى حوالي 3750 مقابل الدولار في السوق غير الرسمية مساء الخميس. وبدأت البنوك اعتباراً من هذا الشهر السماح لصغار المودعين بصرف المدخرات الدولارية، ولكن بسعر صرف 2600 ليرة للدولار.
وتسمح قواعد البنك المركزي الجديدة، التي تسري لمدة ستة أشهر، بالسحب من جميع الحسابات الدولارية بالليرة وفق "سعر السوق" الذي لم يتحدد بعد. وستسمح هذه القواعد بسحب ما يصل إلى خمسة آلاف دولار كل شهر، ولكن يمكن للبنوك تحديد سقف أدنى من ذلك. وقال البنك المركزي إن الهدف من هذه السياسة مساعدة المواطنين وصيانة القدرة الشرائية والحياة الكريمة لهم.
لكن عبد الله، مثله مثل غيره، يخشى أن يؤدي سعر الصرف الجديد للسحوبات إلى إفقاره. وقال "أي بنك بأي مكان بالعالم، ليعيد أموال الناس بالعملة التي يضعونها في المصرف".
ونقلت وسائل إعلام لبنانية عن رئيس البرلمان نبيه بري قوله اليوم إنه يتعين على الحكومة استخدام سلطاتها القانونية لوقف "الانهيار الدراماتيكي" قبل فوات الأوان.
ونشر عدد من وسائل الإعلام معلومات عن توجه حكومي نحو إقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، على خلفية التعاميم التي أصدرها مؤخراً والتي تعمد إلى تجفيف الدولار، إلا أن مصادر "العربي الجديد" استبعدت هذا التوجه، واعتبرته يصب في إطار "بيع المواطنين المواقف"، بعدما تسبب ارتفاع الدولار بغليان كبير في الشارع.
وقامت مجموعات مناصرة لحزب الله وحركة أمل، اليوم الخميس، بتحطيم مجسمات وخيم تابعة لثورة 17 تشرين في وسط بيروت، ثم أكملت طريقها إلى أمام مصرف لبنان في شارع الحمراء، لتنضم إلى مجموعات يسارية كانت تنظم تحركاً احتجاجياً أمام مصرف لبنان. حيث قام مناصرو الحزبين بإطلاق هتافات مذهبية، ومن ثم غادروا المكان.
وكان رئيس الحكومة حسان دياب قد أكد أمس بعد انتهاء الجلسة التشريعية أنه "يجب أن يكون هناك تنسيق أكبر من قبل مصرف لبنان مع الحكومة"، مشيراً إلى أن "مصرف لبنان لا يقوم بالتنسيق مع السلطة التنفيذية حول القرارات التي يصدرها، وسيكون لي كلام وموقف بعد جلسة الحكومة يوم الجمعة".
وفقدت العملة اللبنانية أكثر من نصف قيمتها منذ أكتوبر/تشرين الأول، وسط أزمة اقتصادية متصاعدة شهدت نضوب الدولارات وفرض البنوك قيوداً صارمة على حركة رؤوس الأموال حالت بين اللبنانيين وبين مدخراتهم بالعملة الصعبة.
وقال بري حسبما أفادت قناة الجديد إن "على الحكومة ألا تبقى في موقع المتفرج أو الشاهد" على ما يجري من فوضى مالية. لكنه لم يحدد السلطات القانونية التي بوسع الحكومة استخدامها لوقف تراجع العملة.
وقد يؤدي تراجع العملة إلى مزيد من ارتفاع الأسعار في بلد شديد الاعتماد على الاستيراد وفي وقت ترتفع فيه معدلات البطالة بشدة. ومازال سعر الربط الرسمي لليرة اللبنانية القائم منذ 1997 عند 1507.5، لكنه غير متاح إلا لمستوردي الوقود والقمح والدواء.
وتكونت اليوم حشود خارج مكاتب وسترن يونيون وأو.إم.تي للتحويلات النقدية بعد إبلاغ العملاء أن اليوم هو الأخير لتسلم التحويلات بالدولار بعد تعميم من البنك المركزي يفرض دفعها بالعملة المحلية.