اللاعنف واحترام أصنام الآخرين

13 يوليو 2015
(الولايات المتحدة: بدل دانسر برس، 1999)
+ الخط -
في كتابه "التواصل اللاعنفي: لغة للحياة" والذي نشر لأول مرة عام 1999 قبل أن يعاد نشره مرات عدة لاحقاً، يقدم الكاتب والطبيب النفسي مارشل روزنبرغ، منظومة إنسانية رائعة وقوية رغم بساطتها في كيفية التواصل مع الآخرين ومع أنفسنا بدون استخدام أي نوع من أنواع العنف. الكاتب يدفع بمستوى الحساسية لدى قرائه لدرجة الوعي والتأثر بأقل أشكال العنف في جميع انواع التواصل سواء مع أنفسهم أو مع الآخرين. والكتاب بأسلوبه السلس والقريب للقلب يُحدث تغييراً حقيقياً لدى القارئ لدرجة تجعل منه إضافة جوهرية للعلوم الإنسانية. حتى حديث الشخص بينه وبين نفسه سيتغير لأن الكتاب يعلم القارئ كيف يفهم نفسه قبل أن يفهم الآخرين، وكيف يتعامل مع نفسه واحتياجاته بدون عنف.

زار روزنبرغ الأراضي الفلسطينية وقام بعدة دورات تدريبة هناك كان أولها أصعبها، كما يذكر الدكتور مبارك عوض مؤسس المركز الفلسطيني لدراسات اللاعنف. يقول عوض "أدركنا أن لدينا مشكلة في التواصل فنحن العرب لا نتواصل بنفس الطريقة التي يتواصل بها الناس في الغرب. فدعانا روزنبرغ للقدوم لفلسطين. كان علينا أن نتعلم ببطء لأن مفهومنا عن اللاعنف سلبي أصلاً. فنحن نعتقد أن اللاعنف معناه أن نكون لطيفين مع أعدائنا وهذا ليس المقصود بالتواصل اللاعنفي. العكس تماماً هو الصحيح، الهدف من التواصل اللاعنفي هو حل المشاكل ولكن بدون اللجوء للعنف وهذا يجعلنا نعتمد على طرق أخرى أكثر ذكاء".

ويضيف عوض، "ربما من أكثر ما أضافه الكتاب لحياتي هو أهمية التعبير والتواصل". وبالطبع فإن التعبير، كما يوضح الكتاب، يسبقه معرفة عميقة للنفس وما تحتاجه وما تطلبه وأيضاً إدراك الأفراد والمؤسسات التي تستطيع تلبية هذه الاحتياجات على أرض الواقع. أما إذا اصطدمنا بواقع عدم إمكانية من حولنا بتلبية احتياجاتنا، فالكتاب يرسم لنا خارطة للبحث عن طرق سلمية لتلبية هذه الاحتياجات. التواصل المستمر يمنع الاحتقان على المدى البعيد والذي يؤدي للانفجار في نهاية المطاف.

الدكتور مايكل بير المدير العام لشبكة اللاعنف الدولية معجب أيضاً بالكتاب ويقول "أن روزنبرغ لم يكتشف التواصل اللاعنفي. ولكنه جمع عدة أفكار ربما بسيطة لكنها عميقة جداً في كتاب واحد يسهل فيه فهم هذا النوع من التواصل. يركز الكتاب مثلاً على المشاعر وأهمية قراءة مشاعرنا بشكل واضح. ويركز روزنبرغ على أهمية فهم ما يفعله الآخرين بدون الحكم عليهم مسبقاً أو افتراض أننا نفهم تماماً لماذا يفعلون ما يفعلون مما يفتح لنا المجال بتعلم شيء جديد عنهم. يُعلم روزنبرغ قارئيه التعبير عن احتياجاتهم مما يتطلب أولاً معرفتهم لأنفسهم". ويقول بير إنه بفضل روزنبرغ، توجد مراكز لتعليم هذا النوع من التواصل في أكثر من خمسين دولة حول العالم وقد تم اختبار هذا النوع من التواصل بنجاح مع الآف الناس".

ما لا يعرفه الكثيرون عن هذا النوع من التواصل أنه أكثر فاعلية في تحقيق نتائج، حتى على مستوى النزاعات الكبرى، مقارنة بأساليب أخرى. فمثلاً في كتابهما "سر نجاح المقاومة السلمية" وجدت الباحثتان الاميركيتان إريكا تشنوث وماريا، أنه عند مقارنة معظم النزاعات حول العالم من 1900 الى 2016، يتبين أن المقاومة السلمية لديها ضعف فرصة النجاح مقارنة بالمقاومة العنيفة.

تخيلوا لو كان هذا الكتاب إلزامياً في مناهج التدريس في العالم العربي؟ تخيلوا لو أصبح لدى أجيال من طلابنا وأبنائنا حساسية تنبذ العنف في التعامل مع الآخرين ومع أنفسهم. حيث أن ثقافتنا وسلوكياتنا الراهنة تعاني بسبب الكثير من التفسيرات الثقافية والسياسية وحتى الدينية المتطرفة والتي تتضارب مع قوانين حقوق الإنسان. ففي المنظومة الحالية لاحترام وحماية حقوق الإنسان لا يحق لشخص ما أن يعتدى على مقدسات الآخرين.

كم من الدمار والخراب يجب أن يلحق بأمتنا قبل أن نقرر أنه يجب علينا مراجعة هذه المنظومة وتغيير مناهجنا التعليمية والتخلي عن يقيننا بامتلاك الحقيقة المطلقة عن دون البشر، رغم تأخرنا عن أغلبيتهم؟ كم من الأبرياء يجب أن يقتلوا وكم من الديار يجب أن تدمر قبل أن ندرك أننا نعيش في زمن يجب علينا احترام حق الآخرين لعبادة ما يشاؤون وخصوصاً إذا أردنا أن يكون لنا نفس الحق في حرية عبادة ما نريد.

مَن من قياداتنا لديه الشجاعة لاتخاذ الخطوات الأولى نحو عالم عربي عبر تبني تدريس التواصل اللاعنفي كمساق إلزامي في مناهجنا؟ من يجرؤ على أن يطالب بنبذ العنف والإكراه والإجبار كأدوات تأثير مقبولة لدى المؤسسات والأفراد؟ ولأن أصنامنا غير مرئية فهذا لا يعني أنها غير موجودة.

(باحثة متقدمة في مؤسسة أميركا الجديدة ـ واشنطن)
المساهمون