ووسط حديث "القوات" عن إصلاحات وعن تسجيل نقاط واضحة في الشق التقني للخطة، وفي شق ضبط الإنفاق، لم يخرج رد "التيار الوطني الحر" عن الكلام عن "عرقلة سياسية وكيدية ومحاولات لإفشال التيار". وهو الرد الذي صبّ أيضاً في مصلحة "القوات"، التي ارتكزت في معركتها على ما راكمه "التيار" من فشل في هذه الوزارة التي تولّاها منذ عام 2008، من دون أن ينجح في حلّ المشكلة الأكبر التي تهدد لبنان منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975 ـ 1990). فمنذ انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية شكّل ملف الكهرباء التحدي الأكبر للدولة اللبنانية، التي نجحت لسنوات معدودة في تأمين التيار الكهربائي 24 ساعة على 24 ساعة في العاصمة بيروت قبل أن تنخفض التغذية لاحقاً. بعدها تكبّدت الخزينة مليارات الدولارات، من دون أن تنجح الدولة في تقديم خطة واحدة قادرة على وقف النزيف. وباتت هذه الأزمة محور حديث المجتمع الدولي، الذي وضعها على رأس سلم أولويات الملفات الحيوية التي يجب حلها، وذلك خلال مؤتمر "سيدر" المنعقد في إبريل/نيسان 2018.
لهذا يبدو أن "القوات" لم تنجح فقط في إحراج "التيار" داخلياً بل دولياً أيضاً، خصوصاً أنها بدت في حالة تماهٍ مع المواقف الدولية التي سمعها لبنان، كما تماهت مع البنك الدولي، الذي ذكر قبل أيام أن "الإصلاحات دون المستوى المطلوب". والأهم أن الموازنة باتت مرتبطة بمصير خطة الكهرباء، بما أن شعار الموازنة هو "خفض العجز"، فيما جزء كبير من هذا العجز هو بسبب الكهرباء. بالإضافة إلى كل ذلك، ترتبط الموازنة حكماً بمقررات مؤتمر "سيدر" لإقراض لبنان، ضمن تعهّدات لبنان المرفوعة إليه.
لكن العقبة الأساسية أمام خطة الكهرباء بعد نجاح "القوات" في فرض الكثير من التعديلات على الخطة الأصلية، تكمن في المناقصات ودفاتر الشروط، التي تصرّ على إجرائها في هيئة إدارة المناقصات، الأمر الذي ترفضه البستاني. وهنا أيضاً تُسجّل "القوات" هدفاً في مرمى "التيار"، خصوصاً أنها تبدو مصممة على ضمان شفافية واضحة تطمئن المجتمع الدولي، وتؤمّن نجاحاً للخطة. ونجحت طريقة عمل "القوات" في تأمين دعم من أفرقاء آخرين مثل "الحزب التقدمي الاشتراكي" وحتى حزب الله، حليف التيار العوني، وحركة أمل. مع العلم أن الخلاف بين "التيار" و"القوات" ارتفعت حدّته منذ انتخاب النائب ميشال عون رئيساً للجمهورية، على إثر اتفاق معراب (2016)، الذي تبنّى مساراً تصالحياً بين الحزبين اللذين اشتبكا عسكرياً في آخر سنة من عمر الحرب الأهلية.
وذكرت مصادر حكومية، لـ"العربي الجديد"، أن "القوات تقف اليوم بشراسة في الحكومة في مواجهة سياسات التيار". وتوقعت المصادر "انتقال الخلافات إلى ملفات أخرى، خصوصاً ملف اللاجئين السوريين، بعد أن قدّمت القوات قبل أسابيع خطة لعودتهم، تتضمن حديثاً واضحاً عن رفض النظام السوري إعادتهم، وبالتالي تحميله المسؤولية في هذا السياق". وأضافت المصادر أن "كثرة الملفات الخلافية بين التيار والقوات، تعود بالأساس للمنافسة الشرسة بينهما بعد سقوط الاتفاق بينهما، خلال تأليف الحكومة الحالية، واستئثار التيار بعدد كبير من المقاعد (11 وزيراً) ومحاولته تحجيم الحصة القواتي إلى وزارات، التي رأت فيها القوات محاولة لاستهدافها وإخراجها من اللعبة السياسية الوزارية تحديداً، ما دفعها إلى القبول بما قُدّم لها على مضض".
مع العلم أن الأحزاب المسيحية، أي التيار والقوات، بالإضافة للمردة والكتائب، بدأت استعداداتها لخوض أكثر من معركة مقبلة بعد ثلاث سنوات، أبرزها معركة الانتخابات الرئاسية، ومعركة الانتخابات النيابية، على أن يحدد الأداء خلال هذه الأعوام الثلاثة الكثير من عوامل وفرص فوز أي طرف.
وتعتبر "القوات" اليوم الحزب الثاني على صعيد التمثيل النيابي في الأوساط المسيحية بعد "التيار الوطني الحر"، لكنها حققت تقدماً كبيراً خلال الانتخابات النيابية الأخيرة، اذ ضاعفت حجم كتلتها النيابية من 8 إلى 15 نائباً، ما عُدّ عاملاً أساسياً ومقلقاً لـ"التيار"، خصوصاً في ظل الحديث عن مستقبله، بعد ماضٍ شهد الكثير من الخلافات الداخلية في السنوات الأخيرة، إثر صعود نجم جبران باسيل فيه وتوليه رئاسته خلفاً لعون.