الكريسماس.. عيد الكتّاب في آيسلندا

25 ديسمبر 2014
فرجينيا وولف (تصوير: غيزيل فروند)
+ الخط -

يشعر كل قارئ في آيسلندا هذه الأيام، بأن المكتبةَ مُدارة باتجاهه، بأن للمكتبة عجلات وهي تتحرك لتدله على الكتاب الذي سيحمله معه هدية لصديق أو قريب. فالكريسماس، بعد أن يزيِّن الشوارع بالأضواء والشجر والأجراس وعشرات النسخ الرديئة والجيدة من سانتا كلوز، يتسلل إلى المكتبات ليستقر بين رفوفها.

الكتاب هو المستفيد الأكبر في العيد. إنه بمثابة الطفل المتهندم بأحلى غلاف، ينفخ في زمور كلماته دون كلل، وهو كذلك الهدية الأسمى، فمن لا يجد تحت شجرته ليلة العيد كتاباً ملفوفاً بورق هدايا، يشعر حتماً بالغبن.

المكتبة هي المغارة الفعلية للكريسماس هنا. الكل يدخلها، والكل يخرج منها متأبطاً كتاباً أو أكثر. وبرغم غلاء الكتاب في آيسلندا قياساً بباقي دول العالم، فإن الكريسماس في آيسلندا ربيع المكتبات، وبارومتر الكاتب. وهو أيضاً ماراثون التواقيع والمحاضرات والإصدارات، وخط الوصول الأبيض لسباق السنة الأدبي.

فهذا العرف الآيسلندي بتمييز الكتاب في هذا الوقت بالذات، أوجد حوله ثلة من المظاهر الأدبية. إذ عم قريب، تُعلَن الكتب الفائزة بالجوائز الأدبية الرفيعة، كما تلك الأكثر مبيعاً، إضافة إلى جوائز وامتيازات أخرى أقل صدىً.

ولو انتقيت أي مكتبة عشوائياً، ستجد فيها قرّاء صامتين، ينتقون الكتب المناسبة لأصدقاء أو أقارب، هم بدورهم، قراء، وربما صامتون أيضاً في جناح آخر من المكتبة نفسها، أو في مكتبة قريبة، يفعلون المثل. وفي الصباح الباكر وتحت درجة حرارة دون الصفر، تصل فرقٌ لتسد النقص، بإدخال صناديق جديدة من الكتب. دينامية لا يشهدها حتى معرض الكتاب الآيسلندي الذي يقام كل خريف.

هذه الحال الصحيّة للكتاب، تنسحب على الإصدارات الأجنبية أيضاً، كلاسيكية كانت أم حديثة. فتجد تولستوي مثلاً إلى جانب فيرجينيا وولف وفرانز كافكا ونجيب محفوظ وهيرتا موللر وآليس مونرو وروبرتو بولانيو، منتظرين دورهم في الفاتورة. كذلك الأمر بالنسبة إلى كُتَّاب الرياضة، والغرافيك، والفنون، والأزياء والديكور والمانغا اليابانية وغيرها من الكتب المصورة.

عاملان يقفان خلف هذه الظاهرة. الأول أن العاصمة الآيسلندية ركيافيك هي المدينة الأكثر كثافة بالمكتبات في أوروبا قياساً بعدد السكان. واقع تستثمره دور النشر بذكاء ونشاط. والثاني أن الآيسلنديين، تنصلوا من التزامهم الكنسي منذ زمن. فالدين خيار شخصي، منفصل عن أية سلطة. حتى أن الكنيسة تتحول أحياناً إلى قاعة موسيقى أو غاليري لمعرض فني أو منصة كوريغراف. أما أحفاد الفايكينغ، فلم يمتصوا من الديانة المسيحية إلا مناسبات قليلة، منها الكريسماس الذي عدّلوا في جيناته، ليصبح عيداً لميلاد الكتاب.

المساهمون