الكرملين والمعارضة الروسية

تعدّ عملية اغتيال المعارض الروسي، بوريس نيمتسوف، مرحلة جديدة من علاقة الكرملين بالمعارضة، فقد وضعت صقور الكرملين في موقف حرج، بسبب طريقة تنفيذ العملية التي تشير إلى محترفين في القتل والجريمة، وكذلك إلى مكان وقوعها قرب مبنى الكرملين، ونوع الشخص الذي يمثل رمزية معينة لكونه من الماضي القريب، نظراً لارتباطه بحقبة التغيير التي شهدتها عملية انهيار الاتحاد السوفييتي، وعبّرت عنها ردود الفعل الدولية والشعبية، والتي تلقت روسيا من خلالها صفعة جديدة في العمل الدبلوماسي الدولي، نظراً لمحاولتها فرض نفسها لاعباً دولياً ندياً للولايات المتحدة. لكن الإرباك كان واضحاً على الساسة الروس، في تعاملهم مع هذه الجريمة، ما دفع بوتين بعد عشر دقائق من الحادثة للحديث إلى الإعلام، وإعلانه أنها جريمة بشعة ومحجوزة لبث الفوضى في روسيا، وكذلك محاولة روسيا رقع إعلان مادي بثلاثة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عن هذه الجريمة. وعلى الرغم من تكليف وزير الأمن والداخلية بمتابعة التحقيق شخصياً، تفاجأ الجميع من احتمالات عرضها المدعي العام الروسي على الإعلام، والذي سوف يتابع كل احتمال، لكن الأبرز في هذه الاحتمالات نسب عملية الاغتيال إلى التطرف الإسلامي، بسبب تأييد المعارض مجلة شارلي إيبدو التي نشرت رسوماً ساخرة من الإسلام، ما دفع الإرهاب إلى معاقبتها وارتكاب مجزرة باسم الإسلام. لكن، سرعان ما تلاشى هذا الاحتمال، وقدم احتمال آخر بأن الجريمة تمت بواسطة ضباط المخابرات الأوكرانية، وبالاشتراك مع الكتيبة الشيشانية التي يقودها آدم عثمانوف، وأن مقاتلي كتيبة (جوهار دودايف) التي تقاتل إلى جانب القوات الأوكرانية الحكومية في مناطق جنوب شرق الدونباس ضد الانفصاليين الأوكرانيين مسوؤلة عن عملية الاغتيال.
ووفقاً لمعلومات جمعها القضاء الروسي فإن القاتل يشبه ضباط هذه المجموعة بالشكل، وضمت القضية إلى قضية محاولة اغتيال الرئيس بوتين سابقاً، والذي كان يحاول تنفيذها قائد هذه المجموعة (آدم عثمانوف) وزوجته (أمنية أكيفا). وبحسب الخطة الأوكرانية، يهدف اغتيال المعارض الروسي إلى تشويه صورة الرئيس وفريق عمله السياسي، وإلى زعزعة الاستقرار الأمني والسياسي في روسيا، من خلال رد فعل المعارضين الروس. في وقت صرّح سكرتير مجلس الأمن الروسي، نيكولاي باتروشيف، بأن واشنطن تحاول التأثير على الوضع في مناطق مختلفة من العالم، ومن خلال إدارتها ودعمها "الثورات الملونة"، بما فيها روسيا التي تحاول إثارة الفوضى.
استبعد التحقيق احتمال وقوف المعارض الروسي إلى جانب الثورة السورية دافعاً للجريمة، وقد تميّز نيمتسوف بأنه كان من المدافعين القلائل عن الثورة السورية، في بلد الجميع فيه يدعمون نظام الأسد، ويكنّون العداء للثورة والشعب، ويصفونها بأنها ثورة إرهابية تخريبية، في آخر تصريحات نيمتسوف بهذا الخصوص يقول: "ننحاز إلى السوريين في إسقاط نظامهم، وسقوط الأسد".