ارتبك الزائر وأطفأ آلة التصوير بسرعة وهو يتلعثم بكلمات اعتذار لم يتمكن من نطقها كاملة. باللغة التركية التي لم يكن يفهمها، أنَّبَهُ أحد الدراويش الذين أدّوا عرضاً لـالرقصة المولوية في هوجا باشا في إسطنبول. كان تأنيباً متأخراً بعض الشيء.
التصوير ممنوع خلال العرض. لدى الدراويش أسبابهم غير المعلنة، لكن التحذير يظهر على شاشة معلقة على جدار الصالة الصغيرة التي يُقدّم فيها العرض. كان واضحاً اندماج الدراويش في أدائهم، وكان مبرّراً ما ظهر على وجه واحد منهم، كان أقربهم للكاميرا، من ملامح حادّة متجهمة حين واجهته عدسة الكاميرا.
بيد أن مصير المصوّر قد يكون مختلفاً تماماً إن قام بذلك في كنيسة سان هوان تشامولا، في ولاية تشياباس بالجنوب المكسيكي، فقد يتعرض للطرد أو للضرب وفي أفضل الأحوال، التوبيخ.
يعيش السكان الأصليون في تلك الولاية المكسيكية والبلدات المحيطة بها، هؤلاء الذين يقول التاريخ إنهم استقبلوا المستعمر بالترحاب، وحين أدركوا بغيته، كان الأمر قد قضي. أصبح التوجّس من الغريب بالنسبة لهم أمراً طبيعياً، توجّس مصحوب بانعدام الثقة يجعلهم ينفرون من الآلات التي جلبها معه، ويعتبرونها تدنيساً لأماكنهم المقدسة.
يشير بحث يناقش نفورهم من الكاميرا إلى أن صورهم العائلية قليلة وبعض العائلات في تلك البلدة لا صور تذكارية تجمع أفرادها. إن مفهومهم العائلي لن تتوِّجهُ صورة معلّقة وسط جدار في بيت، بالكاد يشبه البيوت الحديثة. عدا أن اجتماعاتهم العائلية ليست أمراً مناسباتياً بحاجة لتوثيق. أفراد العائلة الواحدة عادة ما يجمعهم النشاط الأسري والعمل الواحد المشترك.
يستعيضون عن التوثيق التصويري بالذاكرة والرواية الشفهية للاحتفاظ بالصور التي يرغبون فيها، وربما بالرسم أحياناً، أو بالخيال، منبع الأساطير.
لا عجب، إن رفضوا أن تلتقط لهم الصور بتاتاً، فهم متحفّظون بالعموم ونساؤهم يخجلن من الوقوف أمام الكاميرا. قد يطلبون مقابلاً للصورة.. ستفهم أنهم أدركوا أنهم بالنسبة للغريب عنصر دعائي، مادة يستخدمها في ألبومه السياحي أو العلمي، لهذا فالتنازل لمنح صورة لا بد أن يكون مدفوعاً.
مع هذا، فأماكن العبادة بالنسبة لهم ليست مجالاً للنقاش. لن تستخدمَ فيها الهاتف أبداً، لن تحمله بين يديك وتظهره خلال تجوالك في المكان، عليه أن يبقى بعيداً عن الأنظار، في الجيب أو الحقيبة، وعليك ألّا تعلّق على رقبتك الكاميرا وتجعل عدستها مكشوفة، حتى وإن ظهر أن أصابعك بعيدة عن زر التصوير.
ضعها في حقيبتها الخاصة، بعيداً عن أنظارهم في تلك الأماكن الدينية. لربما يكون الناس في بلدة سان هوان تشامولا أقسى من جيرانهم في البلدة المجاورة سيناكانتان، في التعامل مع من تُسوّل له نفسه سرقة الأرواح بالآلات، لكن أهالي البلدتين لن يتساهلوا مع أمر كهذا.
لا يعني ذلك أنهم لا يستخدمون الهواتف النقالة، فمن السهل ملاحظة استخدامهم لها في سوقي البلدتين، لكنها هواتف للتواصل لا للتصوير.. يرفضون أن يكونوا عناصر جامدة في الصور، ويكافحون للعيش بأرواح غير منقوصة.
* كاتبة ومترجمة فلسطينية أردنية مقيمة في نيكاراغوا.