اختتم رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، زيارته إلى إيران، في أولى محطات جولته الخارجية المقررة سلفاً، التي قالت وزارة الخارجية العراقية عنها في وقت سابق إنها تهدف لحشد الدعم اللازم للعراق، والتي تشمل دولاً غربية وإقليمية مختلفة، من أبرزها الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية وتركيا، فضلاً عن إيران محطته الأولى.
زيارة الكاظمي إلى إيران، والتي رافقه فيها عدد من الوزراء أبرزهم الدفاع والداخلية والمالية والخارجية، فضلاً عن مستشار الأمن الوطني والأمين العام لمجلس الوزراء العراقي، تضمنت مساء أمس الثلاثاء وصباح اليوم الأربعاء، اجتماعات مكثفة مع المسؤولين الإيرانيين، أبرزهم المرشد الأعلى علي خامنئي والرئيس الإيراني حسن روحاني، ونائبه إسحاق جهانغيري، وأمين مجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني، ورئيس مجلس الشورى الإيراني السيد محمد باقر قاليباف.
وساد الزيارة مشهد الاجتماعات المنفردة بين المسؤولين العراقيين ونظرائهم الإيرانيين، وفقاً لمسؤول عراقي قال لـ"العربي الجديد"، إنه من المبكر الحكم على نجاح الزيارة من عدمه، كون ذلك يعتمد على تطبيق ما تم التوصل إليه على أرض الواقع، كما يعتمد على نتائج الزيارة المرتقبة قبل حلول عطلة عيد الأضحى في العراق، إلى الولايات المتحدة الأميركية".
لم يقدّم الإيرانيون ضمانات في موضوع الفصائل المسلّحة وتهديدها لسلطة الحكومة العراقية وهيبة الدولة، والردود في هذا الملف كانت فضفاضة إلى حدّ ما
وبحسب المسؤول ذاته فإن زيارة الكاظمي إلى إيران كان أساسَها الملفان الأمني والسياسي، وتأتي بالدرجة الثانية ملفات تجارية واقتصادية بين البلدين، وكذلك ملف ترسيم الحدود أو حقول النفط المشتركة، مؤكداً أن قضية القوات الأميركية في العراق وما يرتبط بها من تحركات للفصائل المسلحة المدعومة من إيران تجاه هذا الملف، والهجمات الصاروخية أو عمليات الضغط على الحكومة وتحديها من قبل الفصائل ذاتها، كانت في صلب المباحثات التي تطرق إليها الكاظمي ومسؤولون عراقيون مع نظرائهم الإيرانيين. وأشار إلى أن الإيرانيين لم يقدموا أي تعهدات بشأن الفصائل المسلحة أو دعم إجراءات الحكومة في إخضاع كل الفصائل المسلحة لسلطة القانون.
وبحسب المسؤول ذاته، وهو أحد أعضاء الوفد العراقي إلى إيران، فإن مستشار الأمن الوطني قاسم الأعرجي لعب هو الآخر، إلى جانب وزير الداخلية عثمان الغانمي ورئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، دوراً بالساعات الماضية، من أجل إقناع المسؤولين الإيرانيين بضرورة الحفاظ على حالة الاستقرار الأمني العراقي، وعدم تشتيت الجهود وجعلها منصبة على تنظيم "داعش"، مؤكداً أن جميع الملفات المتعلقة بالتجارة والاقتصاد والحدود تمّ حسمها، وسيتم افتتاح المعابر البرية بين البلدين قريباً لأغراض تجارية، فضلاً عن تفعيل اتفاقيات ترسيم شط العرب والحدود المشتركة والازدواج الضريبي التي وُقّعت في فترة حكومة عبد المهدي، واتفاقية لتزويد العراق بالكهرباء لعامين آخرين.
ولفت إلى أن الإيرانيين لم يقدموا ضمانات في موضوع الفصائل المسلّحة وتهديدها لسلطة الحكومة العراقية وهيبة الدولة، وأن الردود في هذا الملف كانت فضفاضة إلى حد ما، وأن اللقاء مع المرشد الإيراني علي خامنئي كان منصباً على الوجود الأميركي ورفضه له، وهو ما يعني أنه بمثابة رسالة للفصائل المسلحة بالعراق للاستمرار بالتصعيد. وختم بوصفه الأجواء في إيران بأنها "رحابة استقبال بلا نتائج ملموسة لما جاء به الوفد العراقي، واستعجال إيراني في ابرام أو تفعيل اتفاقيات اقتصادية وتجارية وقعت في حكومة عبد المهدي".
ووفقاً لبيان صادر عن الحكومة العراقية، فإن الزيارة بحثت ملفات اقتصادية وتجارية، ومكافحة الإرهاب والأزمة الصحية، وتفعيل الاتفاقيات السابقة بين البلدين. وذكر مكتب الكاظمي، اليوم الأربعاء، أن الأخير والوفد المرافق له، اختتما زيارتهما الرسمية إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية والتي استمرت ليومين، حيث شهدت عقد مباحثات بين الكاظمي، والرئيس الإيراني حسن روحاني، أكد فيها الجانبان رغبتهما في تعزيز أواصر العلاقات الاقتصادية والثقافية بين البلدين، وفي مجال مكافحة الإرهاب والتعاون الصحي في مواجهة جائحة كورونا، فضلاً عن التعاون المستمر من أجل دعم أمن المنطقة واستقرارها. وأضاف البيان أن "رئيس الوزراء التقى أيضاً بالمرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران علي الخامنئي، مشيراً إلى أن الوفدين العراقي برئاسة رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي، والإيراني برئاسة النائب الأول لرئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية إسحاق جهانغيري، عقدا اجتماعاً موسعاً تناول تفعيل اتفاقيات التعاون بين البلدين، وسبل تذليل العقبات، وتجاوز الإشكاليات التي قد تعترض سير التعاون المشترك".
وأوضح أن "الكاظمي والوفد المرافق له، التقوا برئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف، حيث جرى بحث الجهود الثنائية في تجاوز الآثار الصحية والاقتصادية لجائحة كورونا، والتحديات التي شكلتها الأزمة الاقتصادية الراهنة، فضلاً عن الجهود الثنائية لتجاوزها بما يخدم مصلحة الشعبين العراقي والإيراني".
وجدّد أمين مجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني، خلال لقائه رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الذي يزور البلاد، رفض طهران للوجود الأميركي في المنطقة. وقال شمخاني للكاظمي، وفقاً لما نشرته وسائل اعلام إيرانية، إن "الوجود الأميركي غير المشروع هو سبب زعزعة الأمن في العراق والمنطقة"، مضيفاً أن "مساعي دول المنطقة لخروج القوات الأميركية منها بشكل عاجل، ضرورة لا بد منها لتعزيز الأمن والاستقرار الإقليميين".
من جانبه، علّق وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف على طرح وساطة عراقية بين إيران والسعودية، بالقول إن بلاده على استعداد دائم للعلاقات مع السعودية، موضحاً، في تصريح للتلفزيون الإيراني، أن السعودية، وبدل الاعتماد على دولة هي جارة لها وباقية هنا على الدوام، تريد الاعتماد على عدد من القوى الخارجية، أميركا و"اسرائيل"، مؤكداً أنه "متى قررت (السعودية)، فإن استعدادنا (للعلاقات) قائم وسيبقى على الدوام".
في غضون ذلك، قال النائب في البرلمان العراقي، عن كتلة صادقون"، الجناح السياسي لمليشيا العصائب المدعومة من إيران، محمد البلداوي، إن حديث المرشد الإيراني علي خامنئي مع الكاظمي بشأن مقتل قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، "رسالة موجهة للأميركيين بأن الإيرانيين لم ولن ينسوا جريمتهم وسيكون هناك ردّ أقسى"، معتبراً أن "قضية التحقيق من قبل حكومة الكاظمي والمحققين بشأن حادثة المطار ما زالت تسير بخطى بطيئة، على الرغم من أن الجهة التي نفذت العملية معلومة بعد تبني الأميركيين صراحة للعملية".
إلى ذلك، رأى الخبير بالشأن السياسي العراقي أحمد الحمداني أن الزيارة الأولى لرئيس الحكومة إلى إيران بدت محمّلة بالشروط الإيرانية، أكثر من كونها زيارة تعاون أو زيارة بين بلدين جارين. وأضاف في حديث مع "العربي الجديد"، أن "طلب إخراج القوات الأميركية، واستعادة ملف قاسم سليمانيـ يمثلان خطوة استباقية لزيارة الكاظمي إلى الولايات المتحدة بعد أيام، والإيرانيون يملكون أوراقاً أكثر من الأميركيين داخل العراق، سواء أكانت أوراقا سياسية للضغط على الحكومة أم ورقة الفصائل المسلحة التي باتت تشكل الهاجس الأمني الأول بالعراق.
واعتبر أن "الحكم على نجاح الزيارة من عدمه يتوقف على تصرفات الفصائل المسلحة بالأيام المقبلة وعلى نتائج زيارة الكاظمي إلى واشنطن، التي قد يصار فيها إلى اتفاق تخفيض أو تقنين الوجود الأميركي، وهو ما لا يعتقد أنه سيرضي الإيرانيين أيضاً".