"اللقاء عند دجلة"، مثل عراقي استخدمته القوات العراقية، اليوم الاثنين، بمحاور الهجوم الثلاثة كإعلان واضح عن استمرار عملياتها ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) حتى الوصول إلى نهر دجلة، الذي يشطر المدينة إلى جزئين شرقي وجنوبي.
وتستغل في ذلك الدعم الأميركي اللامحدود لها مع تواجد نحو 33 ألف جندي وعنصر من جهاز مكافحة الإرهاب، وقوات النخبة المدربة من قبل الأميركيين، فضلا عن وحدات أميركية صغيرة ترافقها، يضاف إليها الدعم الجوي لباقي قوات التحالف، كسلاح الجو الفرنسي والكندي والبريطاني، إضافة إلى بطارية مدافع أميركية فرنسية تقف على مشارف المدينة.
ووفقا لمصادر عسكرية رفيعة في بغداد، فإن الهجوم الواسع الذي تنفذه القوات العراقية لن يتوقف حتى التقاء محاور الجيش وجهاز مكافحة الإرهاب والشرطة الاتحادية عند نهر دجلة.
وهو ما يعني أن المحور الجنوبي الشرقي والشرقي والشمالي الشرقي سيستمرون بالهجوم خلال الأيام المقبلة على نفس الوتيرة، لحين وصولهم جميعا على خط واحد عند دجلة للإعلان عن تحرير الساحل الشرقي للمدينة بشكل كامل.
وبحسب المسؤولَين العسكريين اللذين يشغل أحدهما رتبة عميد والآخر عضو غرفة التنسيق المشترك مع قوات التحالف في بغداد، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، فإن التوقعات ترجح استعادة الساحل الشرقي للموصل خلال أسبوعين على هذه الوتيرة، لكنها تعول على انهيار دفاعات التنظيم نتيجة القصف الجوي كما حدث في خطة اقتحام الفلوجة العام الماضي.
ومن المرجح أن يتم وقف العمليات لعدة أيام بعد استعادة الساحل الشرقي (نصف مدينة الموصل) لمنح القوات فترة راحة، والعمل على مد جسور مؤقتة على نهر دجلة للعبور منها، حيث إن جميع الجسور دمرت بالكامل بحسب المصادر ذاتها، التي أكدت أن عدد عناصر التنظيم انخفض إلى أقل من ثلاثة آلاف عنصر بفعل الخسائر التي مني بها.
ميدانيا، تمكنت القوات العراقية المشتركة من إحراز مزيد من التقدم في المناطق الشمالية والشرقية والجنوبية لمدينة الموصل، وفرضت سيطرتها على مناطق جديدة في المدينة كانت تمثل مركز ثقل سيطرة تنظيم "داعش"، مستفيدة من الزخم الحاصل في سير العمليات العسكرية والدعم اللامحدود لقوات التحالف الدولي. وأسهم الدعم بشكل كبير في ترجيح كفة القوات العراقية وتمكينها من إعلان سيطرتها على أغلب الأحياء الشرقية لمدينة الموصل والتلويح بقرب حسم معارك الساحل الشرقي والوصول إلى ضفة نهر دجلة.
وقال نائب قائد جهاز مكافحة الإرهاب، الفريق عبد الوهاب الساعدي، الذي يقود العمليات العسكرية في المناطق الشرقية لمدينة الموصل، لـ"العربي الجديد"، إن "قوات مكافحة الإرهاب فرضت سيطرتها الكاملة على حي البلديات، بينما تخوض قواتنا معارك مستمرة في ما تبقى من حي السكر المجاور، وتمكنت أيضا من السيطرة على معظم مساحة هذا الحي".
فيما أوضح معاون قائد المحور الشمالي الشرقي، العميد حيدر العبيدي، لـ"العربي الجديد"، أن قواته باتت تطوق جامعة الموصل وتستعد لاقتحامها من عدة جهات، مبينا أن "القوات المشتركة تحقق تقدماً وهناك حالة انهيار في صفوف التنظيم".
وكشف عن أحد أسباب ذلك وهو إدخال أسلحة أميركية حديثة، من بينها صواريخ حرارية لمعالجة السيارات المفخخة وقذائف مضادة للأشخاص يصل قطر تأثيرها إلى نحو 100 متر مربع.
ورغم التقدم المتسارع لقوات الجيش العراقي والقوات الخاصة العراقية، إلا أن تنظيم "داعش" ما زال يسيطر على أحياء الفيصيلية والضباط والدركزلية والمدينة الأثرية والمهندسين، الواقعة شرق مدينة الموصل بجوار نهر دجلة، والتي تمثل ما نسبته ثلاثون بالمئة من مساحة المناطق الشرقية لمدينة الموصل.
كما تمكنت قوات الجيش العراقي من الفرقة التاسعة ترافقها قوات الشرطة الاتحادية من السيطرة على منطقتين جديدتين تقعان في جنوب شرق مدينة الموصل، بعد ساعات من إعلان قوات الجيش العراقي عن السيطرة على حي الوحدة وبناية مستشفى السلام في المنطقة.
وأكد قائد عمليات نينوى، اللواء نجم الجبوري، في تصريحات صحافية، أن "سيطرة القوات المشتركة على مناطق وأحياء واسعة بالموصل تمثل إنجازا عسكريا للقوات العراقية، لأن هذه المناطق مفتاح الوصول إلى دجلة".
ولفت الجبوري إلى أن "داعش زج بعشرات القناصين من جنسيات أجنبية في معركة المجمع السكني في حي الحدباء في محاولة منه لعرقلة تقدم القوات العراقية".
من جهة ثانية، شهدت المناطق الشرقية لمدينة الموصل فرار مئات الأسر من مناطق الزهور والمثنى والرفاق والزهراء والبلديات باتجاه المناطق التي سيطرت عليها القوات العراقية في وقت سابق. وشوهدت مئات الأسر وهي تغادر مشيا على الأقدام وتحمل القليل من الملابس والأغطية في محاولة للوصول إلى مناطق أكثر أمنا، بعيدا عن المناطق التي تشهد عمليات عسكرية وقصفاً عشوائياً أدى في الأيام الأخيرة إلى مقتل وجرح مئات المدنيين.
واضطرت العوائل إلى سلوك طرق موحلة للوصول إلى نهر الخوصر الذي يشطر الساحل الأيسر إلى نصفين، وتسلقت بعضها ما تبقى من الجسور الكونكريتية وسط الأوحال والمياه الباردة للعبور إلى الضفة الأخرى.
بينما اضطرت عوائل أخرى نزحت من مناطق البلديات والسكر والثقافة إلى البحث عن منازل فارغة في مناطق أخرى لكي تبتعد عن المناطق التي تشهد معارك عنيفة وقصفاً عشوائياً بقذائف "هاون" وصواريخ "كاتيوشا"، قالت القوات العراقية إن عناصر "داعش" تقوم بإطلاقها من المناطق التي ما زالت تسيطر عليها في شرق وجنوب الموصل.
وأكد طبيب يعمل في المركز الطبي الميداني في منطقة كوكجلي، شرقي الموصل، أن "المركز الطبي استقبل خلال يوم أمس فقط أكثر من ثلاثين مدنياً بين قتيل وجريح".
وأكد أن "أغلب القتلى سقطوا بغارات التحالف الدولي وبقذائف الهاون التي يطلقها تنظيم داعش باتجاه المناطق المحررة"، لافتا إلى أن عدد الضحايا بالمناطق التي يسيطر عليها "داعش" أكبر بكثير وقد يصل إلى خمسة أضعاف.