القوات العراقية تستعيد مناطق 2014 ومبادرة حوار للنجف

21 أكتوبر 2017
قوات البشمركة في معارك التون كوبري (إدريس أوكودوش/الأناضول)
+ الخط -


في اليوم الرابع على استعادة القوات العراقية مناطقها من البشمركة، وفقاً لحدود عام 2014، حاولت بغداد طرح أفكار سياسية وعسكرية لمنع تفاقم التوترات، على وقع إدانات من المرجع الديني علي السيستاني في شأن التعدّي على الأكراد في كركوك والمناطق المتنازع عليها.

بعد اشتباكات ومعارك متقطعة استمرت ساعات عدة مع قوات البشمركة، أسفرت عن قتلى وجرحى، دخلت القوات العراقية المشتركة مدينة التون كوبري، آخر البلدات التي كانت خاضعة لقوات البشمركة ضمن المناطق المتنازع عليها في محافظة كركوك. وتبعد المدينة عن مدينة أربيل، عاصمة إقليم كردستان، نحو 50 كيلومتراً فقط، بعد انسحاب القوات إلى حدود أربيل، تحديداً منطقة شيراوة، على حدود الإقليم الرسمية، أي مكان تواجد البشمركة قبل اجتياح "داعش" للعراق عام 2014. وبذلك انتهت القوات العراقية من السيطرة على 11 ألف كيلومتر مربّع موزعة على 28 وحدة إدارية، بين مدينة وقضاء وناحية وقرية، والعودة رسمياً إلى الوضع الذي كانت عليه الخريطة الداخلية للعراق قبل اجتياح "داعش".

في غضون ذلك، أكد مسؤولون عراقيون في بغداد اعتماد الحكومة العراقية برنامجاً جديداً لإدارة تلك المناطق بموافقة أميركية، تضمّن فتح باب التطوع في صفوف الأجهزة الأمنية لسكان تلك المناطق، وفقاً لنسبتهم السكانية المختلطة قومياً بين العرب والتركمان والأكراد، والإبقاء على قوات الجيش خارج الأحياء السكنية، وسحب جميع فصائل "الحشد الشعبي" منها، وإطلاق منح وتعويضات سريعة للمتضررين من عملية "فرض القانون"، التسمية التي أطلقتها بغداد على عملية استعادة السيطرة على المناطق المتنازع عليها من قبضة البشمركة.

في هذا السياق، كشف وزير عراقي بارز في بغداد، لـ"العربي الجديد"، أن "رئيس الحكومة حيدر العبادي تواصل مع الجناح الكردي الثاني لشرح خطة إدارة تلك المناطق"، في إشارة إلى حزب الاتحاد الكردستاني بالسليمانية. وأشار إلى أن "البرنامج يتضمن دمج أفراد البشمركة الراغبين في كركوك مع قوات الأمن، واعتبارهم من ضمن القوات الاتحادية ودفع مرتباتهم بشكل فوري". ولفت إلى أن "القوات العراقية لن تتقدم صوب أربيل وتعتبر عمليتها بحكم المنجزة بعد استعادة جميع المناطق".



في غضون ذلك، ذكرت خلية الإعلام التابعة للحكومة العراقية، أنها "سيطرت على بلدة التون كوبري، شمالي كركوك بالكامل، وأن قوات مشتركة انتشرت بالمدينة لتطبيق القانون". كما أفاد آمر اللواء الثاني بالفرقة 20 بالجيش العراقي، العقيد محمد حسين، لـ"العربي الجديد"، بأن "البلدة فارغة من السكان وجميعهم غادروا إلى أربيل، ويمكن لهم العودة في يوم أو يومين ولا يوجد ما يمنع ذلك". وتابع "ببساطة العملية اليوم هي معالجة آثار وتركة داعش السابقة، والحكومة تستعيد ما لها وفقاً للدستور".

وأكد حسين أن "البشمركة انسحبت إلى أطراف مدينة أربيل، وأقامت خطوط صدّ وسواتر ترابية حول المدينة، لكن بالنسبة للجيش لن يتقدم أكثر ويتحرك وفقاً لأوامر الحكومة وخارطة عملية فرض القانون في المناطق المتنازع عليها".

وأعلنت قيادة العمليات المشتركة أن "قطع جهاز مكافحة الإرهاب والشرطة الاتحادية والحشد الشعبي تعيد انتشارها وتفرض الأمن والنظام في ناحية التون كوبري التابعة لمحافظة كركوك، والمدينة تحت سيطرة قواتنا الاتحادية". وانسحبت القوات الكردية باتجاه مدينة أربيل، لكنها فجّرت بشكل جزئي الجسر الرئيسي الذي يربط مدينة أربيل بمحافظة كركوك، لإعاقة تقدم القوات العراقية. وهدف تفجير الجسر إلى وقف تقدم القوات ومنعها من الوصول إلى حاجز التفتيش الرئيسي الذي أقامته سلطات أربيل في يونيو/ حزيران 2014 داخل حدود مدينة كركوك الإدارية. وقُتل خلال الاشتباكات ضابط في قوات البشمركة برتبة لواء، حسبما أفادت مصادر أمنية. ولفت قائد محور جنوب كركوك في قوات البشمركة، القيادي في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، وستا رسول، إلى أن "المعركة في كركوك أسفرت عن مقتل 26 عنصراً من قوات البشمركة وإصابة 67 آخرين بجروح". 

في المقابل، ذكر بيان مقتضب لمجلس أمن إقليم كردستان، وهو أعلى سلطة أمنية في الإقليم، بقيادة مسرور البارزاني، نجل مسعود البارزاني رئيس الإقليم، أن "القوات العراقية ومليشيات الحشد الشعبي هاجمت قوات البشمركة في بلدة التون كوبري، شمال كركوك، بأسلحة أميركية". وأضاف البيان أن "تلك القوات مدعومة من قبل إيران وتستخدم سلاحاً ثقيلاً".

وأكد الأمين العام لوزارة البشمركة في أربيل جبار الياور، لـ"العربي الجديد"، أن "هجوم القوات العراقية على بلدة التون كوبري لم يتم بالتنسيق مع البشمركة، ولم يجر إخطارهم بذلك. وهذا سبب الاشتباكات التي حدثت في البداية". وبيّن أنه "تمّ سحب قوات البشمركة من المدينة لتجنب إراقة دماء وعدم التصعيد". وأشار إلى أن "لا خطر على مدينة أربيل، ونعتقد بأن بغداد تريد الوصول إلى الحدود السابقة عند سيطرة أربيل في منطقة شيراوة"، مضيفاً أن "قرارات الانسحاب أو البقاء سياسية لا عسكرية، والبشمركة وزارة تنفيذية في مثل هذه الحالات".



وتتبع ناحية ألتون كوبري أو (بردى) بالكردية لقضاء الدبس في محافظة كركوك، ويسكنها نحو 56 ألف مواطن من مختلف القوميات، وتضم 36 قرية تمتد على مساحة 530 كيلومتراً مربعاً. ويعبر المدينة نهر الزاب الكبير، وهي من ضمن المناطق المتنازع عليها وفق المادة 140 من الدستور العراقي. خلال ذلك، كشفت مصادر كردية في مدينة دهوك، يوم الجمعة، عن "انتقال أعداد كبيرة من مليشيا حزب العمال الكردستاني المعارض لتركيا من أراضٍ عراقية سيطرت عليها بغداد بالأيام الماضية إلى داخل الأراضي السورية".

وقال عضو الحزب الشيوعي الكردستاني في دهوك، بركات هورمامي، لـ"العربي الجديد"، إن "ما لا يقل عن 300 مقاتل من حزب العمال انتقلوا إلى سورية في اليومين الماضيين، كانوا متواجدين في جبال سنجار بعد تقدم القوات العراقية إليها". وكشف أن "ذلك قد يكون تم بتنسيق مع بغداد لإخراجهم وبعلم أميركي".

من جهة أخرى، دعت مرجعية النجف إلى بدء حوار شامل بين بغداد وأربيل، في أول رد فعل لها على الأحداث الأخيرة بالعراق. وقال المرجع الديني علي السيستاني، في خطبة أمس الجمعة، التي ألقاها ممثله الشيخ عبد المهدي الكربلائي، إن "على الحكومة حماية الأكراد والابتعاد عن التعاطي الانتقامي مع الوضع الجديد ومنع حرق الصور والأعلام"، التي وصفها بـ"تصرفات لا أخلاقية وتضر بالسلم"، في إشارة إلى عمليات حرق صور وأعلام كردية من قبل القوات العراقية و"الحشد الشعبي". وطرح السيستاني مبادرة جديدة تقوم على توحيد القوى الكردية لصفوفها والتفاوض المباشر مع بغداد وفق الدستور وبشكل عاجل. وأكد أن "دخول القوات الأمنية إلى تلك المناطق لا يعتبر انتصاراً لطرف أو انكساراً لآخر، بل هو انتصار لجميع العراقيين"، في تأييد واضح من قبل المرجعية لخطوات بغداد العسكرية بفرض سيطرتها على المناطق المتنازع عليها.

في سياق تدريب البشمركة، ذكر المتحدث باسم وزارة الدفاع الألمانية، أمس الجمعة، أن بلاده "تأمل بأن تستأنف مهمة تدريب مقاتلي قوات البشمركة الكردية يوم الأحد (غداً)، إذا لم يتفاقم الصراع بين الأكراد والحكومة العراقية". وعلّقت ألمانيا الأسبوع الماضي، مساهمتها في تدريب البشمركة، معللة ذلك بـ"تزايد التوتر بين بغداد والأكراد"، بعد أن صوّت إقليم كردستان شبه المستقل في شمال العراق في استفتاء غير ملزم لصالح الاستقلال عن البلاد. وأضاف أن ألمانيا اتخذت قرار استئناف التدريب بعد مشاورات مع الجانبين الكردي والعراقي والولايات المتحدة. وكانت ألمانيا قد قدمت 32 ألف بندقية ورشاش، بالإضافة إلى أسلحة أخرى تقدّر قيمتها بنحو 90 مليون يورو منذ عام 2014. ويقدم حوالي 150 عسكرياً ألمانياً تدريباً لمقاتلي البشمركة.


المساهمون