القمة العربية في موريتانيا: تحضيرات استثنائية لحدث تقليدي

24 يوليو 2016
تأمل موريتانيا عقد القمة بظروف مُرضية (جورج غوبي/فرانس برس)
+ الخط -
تستعدّ موريتانيا لاستضافة القمة العربية يومي 25 و26 من الشهر الحالي، في ما تؤكد المصادر الرسمية انتهاء كافة الترتيبات لعقد القمة وتأكيد حضور عدد من القادة العرب للقمة التي اصطُلح على تسميتها بـ"قمة الأمل". ويحدو موريتانيا رسمياً وشعبياً الأمل في أن تتمكن من عقد القمة في ظروف سياسية وأمنية مُرضية، وهو ما تمثّل في تسخير كافة إمكانات وموارد الدولة للحدث الأهم بالنسبة لموريتانيا.


من الانضمام إلى الاستضافة

بعد اعتذار المغرب عن استضافة القمة العربية مطلع العام الحالي، أُعلن عن استضافة موريتانيا للقمة تبعاً للترتيب الأبجدي. ترتيب كان يتخطى موريتانيا طوال 43 عاماً هو عمر موريتانيا في الجامعة العربية بعد انضمامها رسمياً عام 1973، وهو انضمام تأخر 13 عاماً بسبب اعتراضات مغربية إبان مطالبة المغرب بضم موريتانيا إلى أراضيه مطلع الستينيات. تقول أوساط رسمية موريتانية إن موريتانيا تنتزع اليوم حقها باستضافة القمة بعد 43 عاماً على انتزاعها حق الاعتراف الرسمي بها كدولة عضو في جامعة الدول العربية، لتؤرخ بذلك لمرحلة جديدة من تعاطي موريتانيا مع الجامعة.

الإعلان عن استضافة موريتانيا للقمة في شهر مارس/آذار الماضي تبعه طلب بتأجيلها إلى 25 يوليو/تموز الحالي، لمنح موريتانيا مزيداً من الوقت للتحضير، فيما أعلن الرئيس الموريتاني محمد ولد عبدالعزيز أن القمة ستُعقد في بلاده ولو تحت الخيم، وذلك رداً على حملات التشكيك في قدرة موريتانيا على استضافة القمة بالنظر إلى تواضع بنيتها التحتية والخدمية.
على الفور بدأت الحكومة الموريتانية في تشييد عدد من المباني والطرق وإصلاح وترميم عدد من المنشآت والمقار فضلاً عن تدشين مطار "أم التونسي الدولي" الجديد. وكشفت وسائل إعلام موريتانية عن إسهام عدد من الدول العربية في التكاليف المالية لاستضافة موريتانيا للقمة، ومنها السعودية والإمارات وقطر والكويت فضلاً عن الجزائر التي تُلقي بثقلها لإنجاح القمة وفق تصريحات سفيرها في نواكشوط.

على المستوى السياسي الوطني، أجرت الحكومة الموريتانية اتصالات سياسية بالمعارضة، وفق مصادر مطلعة، من أجل تهدئة سياسية وإعلامية خلال فترة انعقاد القمة، وهو ما دفع حزب "تواصل" الإسلامي إلى إصدار بيان دعا فيه إلى إنجاح القمة، ورحب بالزعماء العرب، ما فُهم منه أن الإسلاميين لن يتظاهروا ضد زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، بعد أن انتشرت دعوات عبر مواقع التواصل الاجتماعي تعترض على زيارته موريتانيا. الترحيب بالسيسي أكده وزير الثقافة المتحدث الرسمي باسم الحكومة الموريتانية محمد الأمين ولد الشيخ، قائلاً إنه سيكون هناك "ترحيب خاص بالرئيس السيسي"، في ما بدا كرد على الاعتراضات على زيارة الأخير. وأكدت مصادر في منتدى المعارضة لـ"العربي الجديد" أن المنتدى سيرسل رسالة مفتوحة إلى القادة العرب المشاركين في قمة نواكشوط، يدعوهم فيها إلى تعزيز الديمقراطية وتحقيق الوحدة العربية ووضع مقاربة لحل النزاعات الدموية في عدد من الدول العربية.



حضور القادة التحدي الأبرز

شرعت الحكومة الموريتانية في تنفيذ إجراءات أمنية مشددة داخل العاصمة نواكشوط، شملت إغلاق الأسواق الرئيسية القريبة من مكان انعقاد القمة وتكليف الجيش بالإشراف على ترتيبات تأمين القمة بالتعاون مع الأجهزة الأمنية الأخرى. الإجراءات الأمنية غير المسبوقة في العاصمة، شملت تقييد حركة السيارات والمواطنين في عدد من مناطق ولاية نواكشوط الغربية، حيث منحت بطاقات خاصة لبعض السكان القريبين من مقرات عقد القمة، فضلاً عن انتشار قوات الأمن وتكثيف دورياتها، خصوصاً في وسط وغرب العاصمة. كذلك بدأت وسائل الإعلام الرسمية حملة إعلامية وتعبوية كبيرة، احتفاء بعقد القمة العربية في موريتانيا، فيما أعلنت اللجنة الإعلامية للقمة عن تدشين مركز إعلامي يضم كافة المستلزمات لتأمين تغطية أفضل للقمة، وذلك مع بدء طلائع الإعلام الدولي والعربي في الوصول إلى نواكشوط لتغطية القمة. كما أُطلق موسم ثقافي بالتوازي مع القمة يشمل حفلات أدبية وفنية فضلاً عن معارض للتراث الموريتاني مساهمة في تسليط الضوء على الثقافة في البلاد.

في غضون ذلك، ينتاب المسؤولين الموريتانيين هاجس ضعف التمثيل العربي في القمة، إذ كشفت مصادر في اللجنة التحضرية للقمة أن كلاً من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز والرئيس الفلسطيني محمود عباس سيتغيبان، بعدما كان حضورهما مؤكداً، وذلك لـ"أسباب طارئة" تتعلق بوفاة شقيق الرئيس الفلسطيني، وزفاف أحد أبناء العاهل السعودي.  في المقابل، ينتظر أن يشارك كل من أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وأمير الكويت صباح الأحمد الجابر الصباح، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره السوداني عمر البشير، إضافة إلى رؤساء اليمن وجزر القمر وجيبوتي والصومال، فيما تتمثل الإمارات بحاكم إمارة الفجيرة.
ومن المغرب العربي فقد تأكد حضور الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي ورئيس مجلس الأمة الجزائري ممثلاً الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، فيما لم يتأكد مستوى التمثيل المغربي في ظل جفاء يطبع العلاقات بين موريتانيا والمغرب، على الرغم من النفي الرسمي من البلدين لذلك، والزيارات المتبادلة التي كان آخرها قبل أيام زيارة وفد مغربي حمل رسالة للرئيس الموريتاني من الملك المغربي محمد السادس.
كما تتمثل مجموعة من الدول العربية برئيس وزرائها، كما هو الحال في لبنان والأردن وليبيا، فيما تتمثل دول أخرى بوزراء خارجيتها، مثل السعودية والمغرب والعراق وسلطنة عمان وفلسطين والبحرين وتونس.


قمة تقليدية في ظروف استثنائية

تتحدث أوساط مقربة من السلطات الموريتانية عن أن مجرد انعقاد القمة هو نجاح لموريتانيا، وأن تحميل قمة نواكشوط أكثر مما تحتمل أمر غير واقعي بالنظر إلى حجم التحديات التي يعاني منها العرب، والخلافات التي تقسم الدول العربية إلى محاور مختلفة ذات سياسات متضاربة. وأشار الأمين العام لجماعة الدول العربية أحمد أبو الغيط إلى ذلك ضمناً، حين قال إن المواضيع التي ستُناقشها القمة هي المواضيع التقليدية كالقضية الفلسطينية ومكافحة الإرهاب وإنشاء القوة العربية المشتركة. ملفات خطيرة وملحّة تفرض نفسها على قمة نواكشوط، على رأسها الملفان الليبي والسوري. بالنسبة لليبيا لا يُتوقَع أن يخرج إعلان نواكشوط المزمع إعلانه في ختام القمة، عن تأييد الحكومة المنبثقة عن اتفاق الصخيرات، والتأكيد على مكافحة الإرهاب ذلك أن اللاعب الرئيسي في الملف الليبي هو أوروبا إضافة إلى الأميركيين، فيما بقيت محاولات التأثير العربي في الملف الليبي محدودة التأثير والنتائج.

يغيب النظام السوري عن قمة نواكشوط كما أكدت وزيرة الإعلام الموريتانية هاوا تاندا، لكن الانقسام العربي يرجح أن يبقى حاضراً حيال الملف، وستكون موريتانيا في مأزق بما أن موقف حليفها التاريخي، أي الجزائر، مؤيد للنظام السوري، على عكس دول الخليج حليفة موريتانيا الأساسية في المنطقة.

وشهدت مواقف موريتانيا من الأحداث في الشرق الأوسط تذبذباً وغموضاً تبعاً للمصالح ومواقف الحلفاء، بالنظر إلى بُعد موريتانيا عن هذه المنطقة الساخنة ومحدودية تأثيرها سياسياً. فقد تحالف النظام الموريتاني مع إيران مبكراً بعد وصوله إلى السلطة بعد انقلاب عام 2008، وافتتحت طهران أول سفارة لها في موريتانيا ووقّعت عدة اتفاقيات مع نواكشوط. بعد أحداث الربيع العربي، اتخذت موريتانيا موقفاً مزدوجاً، مؤيداً للثورات نسبياً وظاهرياً، ومعارضاً لها واقعياً وعملياً، وذلك محاولة من النظام الحاكم في البلاد للنجاة بنفسه من تداعيات ومفاعيل هذه الثورات. وقدّم النظام الموريتاني نفسه عند بداية الثورات كنظام ثوري جديد منفتح، ورحبت الحكومة والحزب الحاكم بثورات مصر وتونس. ومع تصاعد الصراعات إلى انقلاب مصر، بدأ النظام الموريتاني يصف الثورات بالفوضى، ويظهر مواقفه السلبية منها بشكل أكثر وضوحاً وصراحة.

كما أبقت موريتانيا علاقاتها الدبلوماسية مع النظام السوري حتى الآن، وكانت العلاقات بأنظمة الثورات بروتوكولية فقط، فيما بقيت السياسة الخارجية لموريتانيا خلال هذه المرحلة رهينة لحالة من الغموض والازدواجية التي تفرضها المصالح داخلياً وخارجياً.
ويعتقد مراقبون أن حالة الغموض هذه ستزيد من فرص موريتانيا في إدارة القمة العربية وحشد القادة العرب وتقريب وجهات النظر. وفي انتظار إعلان نواكشوط، تكشف المؤشرات أن القمة ستكون استثنائية بالنظر إلى مكان انعقادها والملفات المطروحة، فيما ستكون تقليدية بالنظر إلى تاريخ القمم العربية ومحدودية الدور والتأثير الذي تقوم به.