تُعقد القمة الثلاثية في عمان التي تجمع العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، يوم الخميس المقبل، في ظلّ ظروف إقليمية صعبة تحيط بالأردن، الذي يشهد جواره صراعات داخلية وحروباً أهلية، فضلاً عن الاضطرابات في العلاقات العربية والإقليمية، أفرزت حالة من الاصطفاف والمحاور. والأهم أنّ الدور الذي كان يميّز الأردن بسبب علاقاته وموقعه الاستراتيجي في جوار الأراضي المحتلة بدأ يتفكّك بصورة واضحة، في ظلّ تقارب بعض الدول الخليجية مع إسرائيل. وفيما تعيد القمة الحديث عن سياسة المحاور في الإقليم مرة أخرى، إلا أنّ الأردن الذي وقف في معسكر ما كان يعرف بـ"الاعتدال العربي" منذ عام 2006، لم يستفد من سياسة المحاور الإقليمية التي تغيرت أولوياتها، ولم تعد القضية الفلسطينية على رأس اهتماماتها، بل أصبحت المناكفات الإقليمية هي القضية الرئيسية، وما توقيت الاتفاق الأميركي الإماراتي الإسرائيلي الأخير حول التطبيع الذي كان صادماً للأردن، إلا دليل على ذلك.
يحاول الأردن اتخاذ موقف متوازن وعدم الانتقال من تحالف إقليمي إلى آخر
ويحاول الأردن اتخاذ موقف متوازن وعدم الانتقال من تحالف إقليمي إلى آخر، لأنّ المصالح لا يمكن حصرها في نطاق جغرافي معيّن، وهذا يحتم على الدبلوماسية الأردنية أن تحقق حالة من التوازن عبر تحديد الأولويات، والموازنة بين الظروف المتضادة، والبحث عمن يقف إلى جانبها في القضايا الكبرى. في السياق، يرى عضو مجلس النواب الأردني، نضال الطعاني، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "أهمية القمة الأردنية العراقية المصرية ترتبط بالبعدين الاقتصادي والسياسي"، مشيراً إلى أنها تأتي في وقت ما زال فيه الحديث عن ضم إسرائيل لأجزاء من الضفة الغربية وغور الأردن مستمراً من جهة، ومن جهة أخرى، فإنّ الظروف التي تواجهها هذه الدول في ظلّ أزمة فيروس كورونا وتبعاتها، تجعلها تبحث عن حلول للحدّ من الصعوبات الاقتصادية التي تحيط بها.
ويقول الطعاني إنّ "القمة الثلاثية بوابة للعبور إلى مختلف القضايا الإقليمية، والتأكيد على ضرورة الوصول إلى حلول سياسية لأزمات المنطقة". ويصف الطعاني السياسة الخارجية الأردنية بـ"المرنة والمعتدلة التي تتجنب الانخراط في المحاور، التي لا تخدم القضايا الرئيسية للأمة العربية وأهمها القضية الفلسطينية". ويلفت إلى أنّ "الوضع الاقتصادي يلعب دوراً مهماً في المواقف السياسية، الأمر الذي يتطلب تشكيل تكتل اقتصادي أردني عراقي مصري، ربما يلعب دوراً سياسياً أكبر في المستقبل".
بدوره، يقول المحلل السياسي الأردني، زيد النوايسة، إنّ "القمة التي ستعقد في عمان هي الثالثة، والقمتان السابقتان عُقدتا في عهد رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدي المحسوب على إيران"، مضيفاً: "لكن اليوم هناك دعم أميركي ورهان على الكاظمي، على الرغم من أنّ إيران مسيطرة بشكل كبير على تفاصيل الحياة السياسية في العراق". ويتابع النوايسة: "بالتوازي مع الحرص الأردني على الاقتراب من العراق بشكل أكبر، لكن عمان لا تريد اليوم الدخول في المحاور، كالمحور المصري الإماراتي السعودي الذي يقف ضدّ تركيا وقطر، أو حتى إيران، فالأردن لديه علاقة متوازنة مع الأطراف المتخاصمة في الخليج، والدخول بشكل مباشر في أي محور هو أمر مستبعد".
النوايسة: قمة عمان ليست محاولة لبناء محور إقليمي، بل محاولة لتمتين تكتل اقتصادي
ويوضح أنّ "القمة الثلاثية اقتصادية بالدرجة الأولى. ففي الشأن السياسي، مصر هي جزء من محور خليجي موجود ضدّ تركيا وإيران، أمّا العراق فهو تحت السيطرة الإيرانية"، لافتاً إلى أنّ "الأردن لديه حسابات تتعلق بظروفه الداخلية، أهمها القضية الفلسطينية، وهو قلق من أي تسوية في المنطقة تؤثر على حقوق الأردن، أو على حساباته. لذلك، فإنّ اللقاء في الأساس عنوانه اقتصادي يعتمد على التعاون والمصالح المشتركة خصوصاً في موضوع النفط، لكن هناك حسابات سياسية مدعومة من الولايات المتحدة هي أن يكون هناك حاضنة عربية للعرق بعيداً عن النفوذ الإيراني". ويرى النوايسة أنّ قمة عمان "ليست محاولة لبناء محور إقليمي، بل محاولة لتمتين تكتل اقتصادي".
ويركز النوايسة على أنّ "المشكلة الأكبر للأردن هي التي تتعلق بالقضية الفلسطينية، فعمان قلقة من تنفيذ بنود صفقة القرن ومخطط الضم، خصوصاً في ظل محاولة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو حصد الأصوات على حساب القضية الفلسطينية". ويضيف: "الأردن يشعر اليوم أن الدعم الأميركي اللامحدود لإسرائيل أكبر من قدرته المنفردة على المواجهة، ولذلك هو حريص على استثمار دور أي طرف عربي ضدّ أي استهداف إقليمي يطاوله".
من جهته، يقول الرئيس السابق لـ"الجمعية الأردنية للعلوم السياسية"، خالد شنيكات، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "الاقتصاد يشكّل عاملاً ضاغطاً على الأردن في علاقاته الخارجية وسياسة المحاور الاقليمية، في ظلّ الديون الكبيرة وعجز الموازنة الأردنية". ويشير إلى أنّ "تحالفات الأردن بالدرجة الأولى تتمحور حول المواقف المرتبطة بالقضية الفلسطينية، فعمان ترى أنّ حلّ الدولتين هو الطريق للسلام، وأي خيار آخر يؤدي إلى تعميق الصراع ويهدد مصالح الأردن".
ويلفت إلى أنّ "الاتفاق الإسرائيلي الإماراتي واضح، ويركز على التطبيع الكامل، وعدم انتقاد الأردن للاتفاق يأتي في إطار إعطاء فرصة، على أمل التزام إسرائيل بالشق الثاني من الاتفاق المتعلق بوقف الضم كما أُعلن"، لكن شنيكات يستدرك بالقول إنه "من الواضح من خطابات نتنياهو بأنه غير معني بهذا الأمر". ويوضح أن "الأردن بموقفه المعلن من اتفاق التطبيع الإسرائيلي الإماراتي أخذ نصف خطوة، بعد تأكيد وزير الخارجية أيمن الصفدي تأييد أي اتفاق يحلّ الصراع وعدم تأييد أي اتفاق لا يحلّه، لكن في الوقت ذاته، هناك محددات اقتصادية؛ كالمساعدات والعمال الأردنيين في الإمارات وهذا يحكم العلاقات بين البلدين".
وحول العلاقات مع الدول الخليجية الأخرى، يقول شنيكات إنّ "العلاقات مع قطر واضحة في ظلّ موقفها من القضية الفلسطينية، فيما السعودية تقول في موقفها المعلن إنّ أي اتفاق مرتبط بإقامة الدولة الفلسطينية، وهذا ينسجم مع الموقف الأردني، لكن موقف سلطنة عمُان والبحرين قريب من موقف الإمارات، وفي هذا الإطار يحاول الأردن عدم الصدام مع أي دولة والاتفاق على الأولويات".
وفي ما يتعلق بعلاقات الأردن مع تركيا، يوضح شنيكات أنّ "هناك علاقات دبلوماسية كاملة مع أنقرة، وخلال الفترة الماضية كانت هناك توافقات حول دعم تركيا الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة. على الطرف الآخر، تمّ إلغاء اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا، وهناك تباينات بشأن الأزمة الليبية، وغيرها، وهذا لا يمكن النظر إليه بمعزل عن موقف الإمارات والسعودية ومصر ودول خليجية أخرى من تركيا ودورها في المنطقة وموقفها من الإسلام السياسي". وحول العلاقات مع إيران، يؤكد شنيكات "برودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين"، لكنه يشير إلى أنّ "الأردن يتعامل بواقعية مع إيران، خصوصاً في ما يتعلق بعلاقته مع العراق، فلا يمكن تحسين العلاقات مع بغداد من دون المرور بطهران، لكن لا يمكن أن يتجه الأردن لأي محور قريب من إيران، خصوصاً في ظلّ الموقف الغربي المناهض لطهران". وحول القمة الثلاثية التي تجمع الأردن ومصر والعراق، يقول شنيكات، إنها "تركز سياسياً على مواجهة تنظيم داعش والإرهاب، إضافة للتعاون الاقتصادي، من دون أن يعني هذا التنسيق الثلاثي تمهيداً لظهور محور مستقل في المنطقة".