وجاء حكم محكمة الجنايات الخاصة مطابقاً تماماً لتوصيات المدعي العام، ريمي كروسون دو كورمييه، الذي طلب في مرافعته، أمس الاثنين، إنزال أقصى عقوبة في القانون الفرنسي ضد كارلوس، بعدما خلص إلى أن "جميع الأدلة التي جمعت في إطار هذا التحقيق تدينه".
وقال المدعي العام: "يتهموننا بالتنكيل به قضائياً، وبإهمال الحق في النسيان. لكن باسم الحقيقة وتكريماً للضحايا (...) المقاضاة واجبة حتى بعد هذه الفترة الطويلة"، رافضاً اتهامات الدفاع بأن المحاكمة سياسية.
وكانت هيئة الدفاع عن كارلوس طلبت تبرئته لأن لا شيء في الملف يسمح بتأكيد مسؤولية المتهم. ورأت أن الأمر يتعلق بـ"محاكمة سياسية مقررة مسبقاً" و"القضاء يتمسك بوقائع قديمة جداً".
واعتبرت محكمة الجنايات، من جهتها، أن "التقادم المحدد بعشر سنوات بعد وقوع الجريمة، تم سحبه في هذه القضية، بسبب ظهور معلومات وأدلة أخرى فيها".
وفي قفص الاتهام، بدا كارلوس مبتسماً وغير عابئ بالقضاة، وقام بحركات استعراضية، ملقياً عبارات ثورية، واستفز المحكمة بإرسال قبلات أو مصافحة مقربين جاؤوا لدعمه في الجلسة.
ومَثَلَ كارلوس أمام المحكمة لمدة ثلاثة أسابيع في مواجهة هيئة مشكلة من سبعة قضاة و17 شاهداً، في واحدة من أقدم "قضايا الإرهاب" في فرنسا، والتي استمرت فصولها منذ 43 عاماً في مسلسل قضائي معقد وطويل.
ففي عام 1983، صدر حكم ببراءة كارلوس من تهمة تفجير مطعم "دراكستور بوبليسيس"، ثم عاد القضاء ليفتح هذا الملف للمرة الثانية في أغسطس/آب 1996 وينتهي بعدم توجيه التهمة إليه.
ونجحت هيئة الدفاع عن الضحايا في إرغام القضاء على فتح ملف القضية للمرة الثالثة في أكتوبر/تشرين الأول 2014، لترفع حالة "التقادم" عن هذا الملف.
واستند دفاع الضحايا، ومدعي الجمهورية، إلى عناصر إضافية كانت أهملتها المحاكمات السابقة، منها حوارٌ كان أدلى به كارلوس لمجلة "الوطن العربي" عام 1979، وأقرّ خلاله بأنه هو الذي ألقى قنبلة يدوية في المطعم الباريسي، وربط بين هذه العملية وعملية احتجاز الرهائن في لاهاي.
كما استند الاتهام أيضاً، إلى شهادات أدلى بها بعض رفاق كارلوس، الذين أكدوا أن العملية ضد المطعم الباريسي كانت من أجل الضغط على السلطات الفرنسية للإفراج عن عنصر من كوماندوس من منظمة "الجيش الأحمر الياباني"، اعتقلته الشرطة في مطار أورلي، بعد مشاركته في عملية احتجاز رهائن في سفارة فرنسا في لاهاي في يوليو/تموز 1974، بالتنسيق مع عناصر من "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، وبأوامر من الراحل وديع حداد (أبو هاني)، الذي كان يُعتبر مسؤولاً عن العمليات الخارجية في "الجبهة الشعبية".
ولم تتمكن المحاكمات السابقة من تحديد هوية الرجل الذي ألقى القنبلة في المطعم الباريسي، ولم يتعرف عليه أي من الشهود الذين حققت معهم الشرطة.
ونفى كارلوس ضلوعه في تفجير المطعم الباريسي، واتهم الشرطة الفرنسية باختلاق "شهادات كاذبة" ضده، غير أنه في المقابل تبنى، خلال آخر استجواب خضع له عام 2013، "المسؤولية العملية والسياسية" للعمليات المسلحة التي قامت بها "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" في أوروبا، إذ قال: "أنا بطل من أبطال المقاومة الفلسطينية، وأنا الوحيد الباقي على قيد الحياة من بين جميع كوادرها الاحترافية في أوروبا، لأنني كنت دائماً أول من يطلق الرصاص".
ويعتبر كارلوس نفسه مناضلاً ثورياً تبنى العمل المسلح ضد الدوائر الغربية، التي كانت تدعم دولة الاحتلال الإسرائيلي، دفاعاً عن الحق الفلسطيني، وهو يطالب بالاعتراف به كمعتقل سياسي على هذا الأساس.
ونجحت المخابرات الفرنسية في إلقاء القبض عليه في العاصمة السودانية، الخرطوم، في آب/ أغسطس 1994، ونقلته إلى فرنسا بالتنسيق مع السلطات السودانية.
وحُكم على كارلوس، سابقاً، بالسجن مدى الحياة مرتين، الأولى في قضية مقتل ثلاثة أشخاص، من بينهم شرطيان، عام 1975، والثانية في قضية أربعة اعتداءات بالمتفجرات، أسفرت عن مقتل 11 شخصاً وجرح 150 آخرين، بين عامي 1982 و1983، في باريس ومرسيليا وداخل قطارين.