ضمن اللقاء الثقافي الشهري لدارة الفنون في عمّان، قدّم القاص الأردني، هشام البستاني، ورقة نقدية بعنوان "لماذا نكتب القصة القصيرة في زمن الرواية؟". وبدت مداخلة البستاني تلك مرافعة مخلصة وذكية لصالح يتيمة الأجناس الأدبية، "القصة"، ولا سيما في دنيا العرب المُهْطِعين إلى عالم الرواية وجوائزها المتكاثرة.
قدم الندوة الناقد فيصل درّاج الذي أشار إلى أن ظهور الجنس الأدبي مرتبط بحاجة القارئ إليه، وقد ارتبط ظهور القصة القصيرة بظهور الصحافة. أما شهرة هذا الجنس الادبي، فيرى درّاج أنها مرتبطة بالدول التي فيها صحافة عريقة. وقد رفض مقولة "زمن الرواية"، لأن الزمن لا يتحدد بالضجة الإعلامية وعدد الكتّاب، إنما بعدد القراء وهو قليل في نظره.
من جهته، رفض هشام البستاني، في بداية ورقته، المقولات النقدية التي تقلل من قيمة القصة القصيرة وتدّعي أنها أصبحت فناً ثانوياً هامشياً، مشيراً في كلامه إلى ما جاء في أعمال مؤتمر جمعية النقاد الأردنيين عام 2008، الذي خُصّص لبحث "راهن القصة القصيرة".
ومع أن الكتابة تكون عادة على تخوم الأجناس الأدبية، وبالتالي لا توجد أشكال أدبية خالصة، قدّم القاص تعريفه الخاص للقصة قائلاً: "جغرافيا ضيّقةٌ يُصنع فيها تاريخ طويل بشكل توسّعي متسارع يشبه الانفجار الكبير، ومساحة محدودة ثلاثية الأبعاد ينبغي للكاتب أن يصنع فيها عوالمه وشخصياته بأبعاد الفيزياء المعاصرة، مُحققاً الإدهاش أو التأمل أو كليهما في ذات الوقت". من هنا صعوبة فن القصة الذي يتطلب حساسية عالية وإمكانيات التكثيف والاستعارة غير المبتذلة.
وبعد رفضه تعريف النقاد للقصة بأنها "التقاط" مشهد، من منطلق أنها تفجير مشهد ومن ثم إعادة إنتاج عناصره، استعرض البستاني آراء نقاد وكتّاب غربيين، مثل أمبرتو إيكو ورولان بارت وفرانك أوكونر، وربط كتابة القصة بنظريات الفيزياء الكمومية فيما يخص مبدأ اللايقين. ثم تطرق إلى واقع القصة القصيرة في الأردن والعالم العربي.
وفي هذا السياق، لاحظ البستاني أن القصة القصيرة تنشأ في المجتمعات المتوترة غير السوية. وبما أن المجتمعات العربية أبعد ما تكون عن صفة "المجتمع السوي"، فهي بيئة مناسبة لكتابة القصة.
بعد ذلك، قارن بين الرواية والقصة القصيرة، وعاين أسباب شهرة الرواية ورواجها، فأشار إلى أنها أيسر أنواع الأدب على المتلقّي، بعكس القصة والشعر اللذين يدفعان المتلقّي إلى إرهاق نفسه في توليد الصور والاحتمالات التي يستنبطها من مساحة محدودة. كما أشار إلى أن اهتمام دور النشر بالرواية من منطلق كونها وجبة كتابية أسهل للهضم من الأجناس الأخرى، وبالتالي وحدة استهلاكية ذات انتشار واسع، دفع كثيرين ممن لا يجيدون الكتابة إلى اقتراف الرواية، كما دفع بعض القصّاصين إلى هجرة القصة لممارسة الكتابة الروائية.
واعتبر البستاني أن رواج مقولة "زمن الرواية" لا يعني أنها الجنس الأدبي الأكثر شرعية، ولا يمنحها التفوق بالمعنى الجمالي. في حين أن القصة القصيرة تحتاج، كي تنهض وتواصل استمراريتها، إلى التجريب والتجديد في الشكل والموضوع. ودعا إلى عدم حصر القصة في الأطر الساكنة، فالقصة القصيرة اليوم تعمل على تفجير طاقات سرديّة مختلفة في النص عبر آليات وتقنيات متعددة تستفيد من كافة المعارف، كالفلسفة والعلوم، ومن الأشكال الفنية الأخرى، كالمسرح والسينما والفن التشكيلي والتصوير والشعر.
باختصار، القصة القصيرة، وفقاً للبستاني، هي فن هائل الامكانات، تطور في مراحله المختلفة بشكل يفوق تطور الرواية والشعر: "لذا سيظل حيّاً طالما امتلك إكسيره الأهم، أي القدرة على التطور. وخلافاً للتوقعات المتشائمة، أتوقع له انبعاثاً جديداً خلال السنوات القادمة، وما فوز القاصّة أليس مونرو بنوبل الآداب عام 2013، وبجائزة البوكر الدوليّة للسرد عام 2009 ، إلا مؤشر على عودة الاعتراف بأهميّة هذا الجنس الأدبي وإمكانياته".