القدس: عندما يرعب جثمان الشهيد جنود الاحتلال

24 مايو 2016
تشييع الشهيدين مرام وإبراهيم سرور (الأناضول/GETTY)
+ الخط -
يتساءل الفلسطينيون ومنهم أهالي الشهداء المقدسيين عن سبب دفع قوات الاحتلال الإسرائيلي بعدد ضخم من الجنود المدربين والمدججين بالسلاح ليحاصروا مقبرة فلسطينية وقبر شهيد، ويصادروا أجهزة الهاتف من المشيعين، ويقفوا فوق رؤوس الناس لحظة الدفن؟


تكررت التساؤلات فجر اليوم، بينما كانت عائلة الطفل الشهيد حسن المناصرة تدفن نجلها في مقبرة باب الرحمة على تخوم المسجد الأقصى، وكان عدد الجنود أضعاف عدد المشيعين، الذين لم يتجاوزوا الـ 40 مشيعاً.

"وقفوا فوق رؤوسنا وأسلحتهم مشرعة، واقتربوا أكثر من القبر يتفحصونه، ما الذي يمكن أن يخفيه قبر حسن غير وسادة من تراب"؟ قال أحمد مناصرة عم الشهيد حسن، بينما راح والد الشهيد يتأمل مشهد القبر وفتاه الذي ودعه في ليلة سادها الظلام والبرد، ومزق سكونها رطن بالعبرية، وصراخ ووعيد بالضرب لمن يتعدى حدود حواجز الاحتلال الحديدية التي نصبوها في محيط القبر.

أرادوا أن يتثبتوا من التزام عائلة حسن بشروط الدفن، التي لا يطبق مثلها في أي مكان بالعالم.

لم تختلف الصورة كثيراً في حي جبل المكبر جنوب القدس المحتلة، فلم ينم الحي وهو ينتظر لحظة وداع الشهيد علاء أبو جمل مهندس الإلكترونيات الذي ارتقى شهيداً مطلع الهبة الشعبية العام المنصرم، بعد أن دهس وطعن جنوداً ومستوطنين في القدس الغربية ثأراً للشهداء الأطفال، وانتقاماً لمرابطات الأقصى.

كان جبل المكبر فجر اليوم، أيضاً مسرحاً لمئات الجنود، الذين طوقوه عند تشييع جثمان علاء، أحاطوا الحي بالجنود، وتوغلوا حتى المقبرة بكامل عدتهم وعتادهم.


في القدس المشهد اختلف تماماً، فالشهيد يدفن في ظلمة الليل، وتساق عائلته من الجنود وينكل بها حتى لحظة الوداع. ألم يحدث هذا قبل أكثر من شهر حين رفضت عائلة الشهيد حسن مناصرة تسلم نجلها وكان قالباً من الجليد المتجمد؟

"لا يقيم الاحتلال وزناً لقيم الناس ومشاعرهم، ولا يحترم إنسانية الآدمي حتى وهو ميت أو مقتول برصاصهم"، يقول ثائر الفسفوس الناطق باسم حركة فتح في مخيم شعفاط شمالي القدس. ويضيف لـ "العربي الجديد": "لا نتوقع من الاحتلال غير ذلك، فمن يعدم ويقتل بدم بارد لا يضيره التنكيل بضحيته حتى وهو ميت، هذا ما يفعلونه كل يوم".

تكرر ذلك بالأمس أيضاً، وكانت القدس تستقبل الشهيدة سوسن منصور من قرية بدو شمال غرب القدس، وفي ذات اللحظة تودع شهيدين شقيقين من قرية قطنة المجاورة لبدو، وهما: مرام وإبراهيم طه.

سوسن.. السوسنة الصغيرة التي لم تتجاوز السابعة عشرة، وطالبة التوجيهي أعدمت بدم بارد وعلى بعد عشرات الأمتار من "حاجز الراس" على مدخل بيت اكسا شمال غرب القدس، وهو الحاجز الذي يخنق قرية الشهيدة ونحو 14 قرية أخرى ويعزلها عن مدينتي القدس ورام الله.

يقول سعيد يقين من قياديي حركة فتح في المنطقة: "جنود هذا الحاجز كان بإمكانهم اعتقال الشهيدة سوسن حتى ولو كان بحوزتها سكين، بالنظر إلى تدريبهم على أعمال الضبط والاعتقال، وعلى المهام الشرطية الاحترافية التي تمكنهم من السيطرة والتحكم بأي معتقل".

يضيف يقين: " أطلقوا الرصاص عليها عن مسافة تزيد عن خمسين متراً، ثم تركوها ملقاة على الأرض تنزف حتى الموت، واعتدوا على الطواقم الطبية التي هرعت للمكان لتقديم الإسعاف والعلاج".

قلة من الناس يمكنها أن تلامس مشاعر أهالي الشهداء في الشوق لتسلم جثامين أبنائها المحبوسة في جليد الثلاجات.

كان والد الشهيد بهاء عليان – وهو لا يزال على جمر انتظار تسلم جثمان نجله – كتب على صفحته على "فيسبوك" ما يمكن للمرء أن يتحسس مشاعر الأب الثاكل، وأوصى أحبة بهاء ورفاقه بأن يمنحوه خلوة أخيرة مع ولده، وأن يعطوا والدة الشهيد حقها في توديع بهاء على طريقتها.

المساهمون