اختار "المعهد الفرنسي للآثار الشرقية" في القاهرة إقامة ورشة تشتغل على أرشيف بصري للقاهرة الحديثة، وكنموذج ممثل على هذا الأرشيف وقع الاختيار على المخزون الوثائقي الفوتوغرافي الذي تركه الفرنسي ماكس كاركجي (1931-2011)، والذي أصبح اليوم جزءاً من مقتنيات مكتبة فرنسا الوطنية في باريس.
تختلف المراجع على توصيف كاركجي، البعض يصفه بالمستشرق، والآخر بالباحث، وبعضهم بالمؤرخ، وفي معظم المراجعات هو مجرد "عاشق كبير للقاهرة" ولد فيها وعاش والتقط الصور وجمعها، وترك كمية كبيرة من الوثائق التي اقتناها ويعود بعضها إلى نهايات القرن التاسع عشر، وظلت هذه الصور في دفاتره وألبوماته التي طبع إحداها في كتاب مصوّر، إلى أن أطلق موقعاً بعنوان "القاهرة في الأيام الخوالي"، وهذه الأيام التي يقصدها كاركجي معظمها تعود إلى حقبة الخديويه، لذلك لن تخلو الصور من مسحة نمطية لابن المدينة والفلاح والأرستقراطي والعامل فيها، كما أن المجموعة تضم صوراً للملوك والأمراء والأميرات وقصورهم وفخامتها وسلالمها وأجوائها وحفلاتها.
الورشة التي اختتمت اليوم، كان سؤالها الأساسي هو كيف نتعامل مع هذا الأرشيف اليوم، حيث يسعى الباحثان البريطاني آدام مستيان، المتخصص في الأرشفة الرقمية، والفرنسية مرسيدس فوليه، المتخصصة في تاريخ العمارة في القاهرة ما بين القرنين الـ19 والـ20، إلى بناء أداة عمل رقميه تخلط الخرائط القديمة والجديدة بالصور وبعض النصوص لتعيد بناء القاهرة في تلك الحقبة رقمياً ويصبح استكشاف تاريخها والتغير البصري في أحيائها ومناطقها ومقارنتها باليوم سهلاً.
ناقشت الورشة الكيفية التي يمكن بها اليوم مناقشة البيانات الصورية والنصية النادرة عن القاهرة الحديثة ثم كيف يمكن التعامل مع هذه المواد رقمياً، والأهم من ذلك كيف جمعها والاشتغال عليها كقيّم لعرضها بطريقة مناسبة افتراضياً.
بالنسبة إلى أرشيف كاركجي فهو رغم محاولته أن يضعه في موقع وكتاب "مصر الأمس بالألوان"، إلا أن فكرة جمعها وتنظيمها على نحو أفضل من موقعه "القاهرة في الأيام الخوالي" كان موضوع نقاش الورشة، حيث أن ترتيب الموقع وإخراجه ضعيف بصرياً ولا يفي المجموعة النادرة من الصور حقها.
في هذا السياق، استعيدت تجربة أرشفة الوثائق الفوتوغرافية للإيطالي بنيامينو فاتشينيللي المصور الذي عاش في القاهرة في القرن التاسع عشر وتعد الأعمال التي التقطها للمدينة والحياة اليومية والعمارة فيها من أهم الوثائق البصرية عن المدينة في تلك الحقبة، وقد اقتنت مكتبة فرنسا الوطنية أيضاً هذا الأرشيف وأصبح من ضمن مجموعتها.
الورشة تفتح أسئلة حول أهمية أن تتحرك المؤسسات الوطنية والمكتبات المصرية باتجاه تكوين أرشيف رقمي يضم هذه الأراشيف المتفرقة ويوفر قاعدة بيانات للباحثين والمعماريين والمؤرخين والفنانين المعاصرين، بدلاً من أن تظل مشاريع الرقمنة والاقتناء مبادرات تقوم بها مؤسسات أجنبية من دون شراكة مع مؤسسات وطنية.