القاهرة التي تفرح على جثث أبنائها

27 اغسطس 2015
تتراقص القاهرة بـ"شوفينيتها" فوق جثث ابنائها (فرانس برس)
+ الخط -
في الوقت الذي كانت القاهرة تعجّ بالاحتفالات الصاخبة والأغاني الوطنية الجمّة، ابتهاجا بافتتاح التفريعة الجديدة لقناة السويس، والتي كلفت الدولة ما يقارب الـ8 مليارات دولار، بدون أن يعلم الناس جدواها الحقيقية، وما إذا كانت ستدر على الدولة أي دخل بشكل عاجل، أم بشكل آجل، مع غياب واضح لدراسات الجدوى حولها، وما هي الآلية التي تم حساب العائد المتوقع لها، كان الحزن يسطّر وجه القاهرة الآخر.


القاهرة التي باتت في نظر المجتمع الدولي غارقة في التفاهة، مجهولة الهوية والقبلة، فتقارير الصحافة الغربية التي تناولت قناة السويس وتفريعتها الجديدة ذهبت إلى تلاشي جدواها في الوقت الحالي، لاعتبارات الملاحة الدولية والوضع الاقتصادي العالمي، وان الأمر برمته محاولة من السيسي لفرض شرعيته في البلاد، في ظل استعار الصراع بينه وبين الإسلام السياسي، على خلفية انقلاب عسكري قام به على أول رئيس "إسلامي" منتخب بعد ثورة يناير، والزج به في السجن بتهم خرقاء لا ترقى إلى مجرد الهزل لا الجد.

تتراقص القاهرة بـ"شوفينيتها" فوق جثث أبنائها، في الوقت الذي خرج الرجل ببزّته العسكرية في مشهد أقرب إلى الكوميديا السوداء في احتفالية كلفت الدولة العرجاء الكثير، كانت رصاصات داخلية نظامه تقتل معارضيه وتمثل بجثثهم في محافظات شتى، بداية من مجدي بسيوني الشاب الذي كان ينتوي تسليم نفسه للحصول على البراءة، إلا أن رصاصات الداخلية عاجلته وقتلته، وانتهاء بقتل 4 من الفيوم تحت دعاوى اشتراكهم في محاولة اغتيال فاشلة لأحد ضباط الفيوم، هذا بخلاف حالات الاعتقالات العشوائية الكثيرة التي تمت خلال الأيام السابقة.

جمع الرجل كل أبواق إعلامه للترويج للمشروع الهلامي الجديد، وخرج عليهم في بزته العسكرية ليرسخ لدى المتابعين أنه انقلابي وجاء عبر انقلاب، وإلا فلا معنى لرجل جاء عبر انتخابات ديمقراطية كما روج إعلامه ويرتدي بزته العسكرية في احتفالية مدنية بعيدة عن العمل العسكري، تراقص الجميع وهنأ الجميع بعضهم البعض، وكانت القاهرة الأخرى تلطم خديها حزنا على تسلط يد الأمن وفقدان الأبناء وتشرد الأسر وتفكك أواصر اللحمة المجتمعية.

إذاً فالرجل سبق وأن قال في تسريب له مع ضباط الجيش إن مرحلة محاسبة ضباط الداخلية الذين يقتلون أو يصيبون المتظاهرين أو المعارضين قد انتهت إلى غير رجعة، فضلا عن تاريخ وزير الداخلية الحالي مجدي عبدالغفار والقادم من جهاز الأمن الوطني، والذي يبدو أنه يكرر تجربة التسعينيات مع الجماعات الإسلامية، حينما كان مبارك يقوم بتصفية أبناء الجماعة الإسلامية والجهاد في الشوارع والمنازل، بدعوى رفع السلاح علي الدولة وفي مواجهة الداخلية.

غرابة الواقع تكمن في استعداء الرجل وتجبره على المدنيين، واستعمال يد الداخلية في قتل المتظاهرين والآمنين في بيوتهم على حد سواء، في الوقت الذي يقف عاجزا أمام تمدد تنظيم ولاية سيناء، سواء في شبه جزيرة سيناء، أو حتى داخل القاهرة. ففي الوقت الذي كان يقتل فيه الأبرياء في المحافظات كانت ولاية سيناء تختطف مهندسا كرواتيا وتهدد بقتله، ثم تعلن قتله إن لم يتم الإفراج عن النساء المعتقلات.

إن الحديث عن تخوفات هنا وقلق هناك من خروج جماعات عنف جديدة وتيارات تكفير جديدة داخل السجون أو خارجها للنظام السياسي الحالي، أمر لا جدوى منه، فالمناخ الذي وفره النظام السياسي الحالي المشبع بالقتل والاعتقال والضرب والسحل والحرق والسرقة بات التربة الخصبة لكل من يريد أن ينتقم من السلطة، سواء بتكفيرها واستحلال دمها أو رفع السلاح عليها.

ولكن يبقى تساؤل جلي: إلى متى يظل النظام الحالي في جبروته من دون صرخة هنا أو تظاهرة هناك تضع لمقتلته الدائرة حدا وتطوي معه صفحة الظلام هذه؟

(مصر)
المساهمون