خلّفت فيضانات النيلين الأزرق والأبيض في السودان خسائر فادحة في ظل أوضاع اقتصادية منهكة، ما جعل الحكومة تعلن حالة طوارئ لمدة 3 أشهر. خبراء اقتصاد يرون أن الدولة عاجزة عن تقديم الدعم الكافي للمتضررين من السيول والفيضانات لضعف الإمكانيات وتأزم الأوضاع المالية، رغم أن الدولة استنفرت الجهود كافة لمواجهة الكارثة، إلا أن تحركها كان متأخرا.
وقبيل شهر من الآن توقعت الهيئة العامة للإرصاد الجوية ارتفاعا غير مسبوق في مناسيب النيل، الأمر الذي لم تضعه الدولة في حسبانها، إلا بعد أن فاض النيل وغمرت المياه العديد من الأحياء.
وقدر الخبير الاقتصادي، عادل عبد المنعم، في حديثه لـ"العربي الجديد"، تكلفة إعادة إعمار ما دمرته السيول والفيضانات في السودان بملياري دولار منها خسائر زراعية وسكنية وفي البنية التحتية، مشيرا إلى تضرر أكثر من نصف مليون فدان زراعي من تبعات الفيضانات.
ونقلت وكالة الأنباء السودانية الرسمية (سونا) عن وزير الداخلية، عصمت عبد الرحمن، قوله في تقرير قدمه إلى مجلس الوزراء إن "90 شخصا توفوا في كل البلاد، وأن 5500 منزل انهارت في خمس ولايات".
وتسببت الأمطار في إلحاق خسائر مادية كبيرة في المناطق التي جرت فيها السيول، وأحصت السلطات تدمير آلاف المنازل وإتلاف آلاف الفدادين من المحاصيل الزراعية ونفوق أعداد كبيرة من المواشي.
وقرر مجلس الأمن والدفاع الذي ترأسه الفريق عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة إعلان حالة الطوارئ في البلاد لمدة 3 أشهر بجانب تشكيل لجنة عليا لدرء ومعالجة اَثار الخريف بسبب معدلات الأمطار والفيضانات هذا العام، حيث كشف عن خسائر باهظة وأضرار بشرية ومادية لـ16 ولاية في البلاد، إلى جانب تضرر أكثر من نصف مليون نسمة وانهيار كلي وجزئي لأكثر من 100 ألف منزل في مختلف الولايات.
وقالت وزيرة العمل والتنمية الاجتماعية، لينا الشيخ، في تصريحات صحافية، إن معدلات الفيضانات لهذا العام تجاوزت الأرقام القياسية.
ومن جانبه، يرى الاقتصادي، محمد التوم، في حديثه لـ"العربي الجديد" أن من واجب الدولة المبادرة بدعم المتأثرين جراء السيول والفيضانات التي اجتاحت البلاد وفق الإمكانيات المتاحة لديها.
وأشار إلى أن هناك أضرارا وخسائر فادحة إثر فقدان عشرات الآلاف من الأسر سكنها ومأواها، مرجعا ما آلت إليه الآمور في البلاد بسبب الكوارث الطبيعية لعدم تفهم الدولة نشرات الأرصاد الجوية التي حذرت من سيول وفيضانات بسبب ارتفاع مناسيب النيل قبل شهر من الاَن.
ودعا التوم الدولة إلى استنفار جهود المنظمات المحلية والإقليمية للعمل بروح التكافل لدرء السيول والفيضانات التي خلفت خسائر فادحة.
وعلمت "العربي الجديد" أن وفدا من قطر الخيرية يقوم بزيارة ميدانية إلى السودان من أجل تدشين مشاريع في إطار إعادة إعمار المناطق المتضررة من مياه الأمطار، ومن المقرر أن تستمر هذه الزيارة 4 أيام.
ومن جانبه قال الخبير الاقتصادي، عبد الله الرمادي، لـ"العربي الجديد إن إعلان حالة الطوارئ لدرء اَثار السيول والفيضانات بمثابة رد فعل بعدما غمرت المياه 16 ولاية من بينها العاصمة الخرطوم، مؤكدا أن مناسيب النيل فاقت ارتفاع الأعوام السابقة وبالتالي تمرد النيل وتحطمت الآلاف من المنازل.
وأضاف الرمادي أن السودان لا يملك موارد ذات مخزون استراتيجي، وبالتالي تظل الحكومة عاجزة عن تقديم أي مساعدات للمتأثرين في الوقت الراهن، وتابع أن الحكومة في حالة ترقب وانتظار لتلقي الدعم والإغاثة من الخارج، فيما تساءل الرمادي أين الأنشطة التجارية والصناعية والزراعية؟ وأين رسوم جمارك الصادر والوارد؟ حتى تستطيع الحكومة توفير موارد مالية لمساعدة المتضررين.
وأوضح أن الأوضاع الاقتصادية متأزمة تماماً في ظل كورونا، مؤكدا أن الحكومة عاجزة عن توفير الضروريات في الحياة.
ووصف السيول والفيضانات "بالمصيبة فوق المصائب التي تكالبت على البلاد، وبالتالي لا أتوقع أن تفعّل الدولة حلولاً رغم فرض حالة الطوارئ إلا إذا جاد علينا الخيّرون"، على حد تعبيره.
وتوقع الرمادي أن تصل مساعدات من الخارج، لكنها ليست بالقدر المطلوب لمواجهة التحديات التي تراكمت على البلاد.
وقال عدد من المواطنين لـ"العربي الجديد" إن فيضان النيل فاق توقعات وقدرات الجهات الحكومية والشعبية للسيطرة عليه، مطالبين بضرورة تكاتف كافة الجهود لإعانة وإغاثة المتضررين والتعامل بحذر تجاه الفيضانات خاصة المواطنين القاطنين بجوار النيل.
وعدّد المواطن فضل الله إبراهيم جملة من الأضرار الواقعة على الشعب من فيضانات وانهيار اقتصادي وأزمة كورونا والتي عمّقت الجراح، بالإضافة إلى توقف مشاريع التنمية والاستقرار لعودة النازحين واللاجئين، متسائلا من أين الإمكانيات لمعالجة ذلك، ودعا إلى ضرورة وضع معالجات عاجلة لكل ولاية بحسب حجم الضرر الذي أصابها جراء الفيضانات. وأكد دعمهم كل مبادرة تدعم المتضررين لمعالجة آثار السيول والفيضانات ووضع معالجة للمشكلة.